نداء كاسترو

TT

اثنان دعوا العراق الى تدمير اسلحته في يوم واحد: فيدل كاسترو في هافانا وكولن باول في نيويورك. رجل يمثل دولة تحاصرها اميركا منذ اكثر من اربعة عقود وتقاطعها وتعاديها، ورجل يمثل اميركا. الاول ارسل نداءه من اجل توفير الحرب على العراق. والثاني اطلق تحذيره من اجل توفير الحرب على اميركا. الاول هو صاحب اول تجربة من نوعها في التاريخ في محاربة ومواجهة الاميركيين: هو الذي قاد الثورة على نظام باتيستا الموالي للاميركيين، على بعد 70 ميلاً من الساحل الاميركي. وهو الذي نشر الصواريخ السوفياتية عابرة القارات قبالة المدن الاميركية. وهو الذي بسببه وصل العالم الى حافة الدمار في ما عرف بازمة الصواريخ خلال المواجهة بين جون كينيدي ونيكيتا خروشوف. وهو الذي حرك الحركات الثورية الشيوعية في كل اميركا اللاتينية. وهو الذي عاش اربعين عاماً لا يتعاطى الا مع دولة واحدة هي روسيا السوفياتية. وهو الذي ارسل نحو 20 الف جندي الى افريقيا يخوضون حرب السوفيات، لأن الجندي السوفياتي غير معتاد او مؤهل للقتال في الاماكن الشديدة الحرارة. وهو الذي لا يزال يلقي الخطب السنوية التي تستمر ست ساعات للحديث عن انتصاراته الكبرى على الامبريالية الاميركية. وهو الذي يحكم ولا حاكم الا هو. وهو الذي «انتخب» قبل يومين للمرة السادسة بنسبة تقل قليلاً عن المائة في المائة. او ربما لا تقل. فإني لا ادري لأنني والله لم اكلف نفسي عناء قراءة الارقام. وهو الذي تنتشر تماثيله وصوره ورجاله في كل مكان.

ولو كنت في العراق لالتقطت هذه السانحة. وقلت للعالم انني انزل عند «رغبة القوى الشعبية الديموقراطية الحرة» في العالم. بل استطيع ان اضيف القاباً كثيرة اخرى «كالاشتراكية والمكافحة والمعادية للامبريالية». وابرر بذلك توفير الحرب على العراقيين كما بررت لهم الحرب في ام المعارك. واقول انني هزمت المخطط الاميركي الصهيوني الامبريالي وجعلت اميركا ترتد على اعقابها من دون ان تجرب اسلحتها الجديدة على ظهور شعبي وعلى بيوت اهلي وعلى كرامة جيشي الذي ارسلته في كل الجهات وحملَّته كل هذه الاحمال وتركته يخوض كل تلك المحن وجعلته يخلِّف من الايتام اكثر مما خلَّف من الانصار.

ولو كنت في العراق لما اتكلت على وزير خارجية فرنسا وخطابه الرائع ونصه الجميل وموقفه المثالي. ولا على وزير خارجية روسيا. ولا على وزير خارجية الصين، الذي بكل هدوء يعمل في بغداد منذ سنوات من أجل ان يخلف الجميع، ولكن دون ان يظهر في صورة احتفالية واحدة. والسبب ان هؤلاء السادة على استعداد لأن يقولوا عني كل الكلام الجميل، لكنهم لن يرسلوا جندياً واحداً للحرب الى جانبي. ولن يجرأوا على ارسال قطعة سلاح او قطعة غيار واحدة من دون اذن اميركا. ولأن المطلوب الآن ليس الخطب، على نبلها وجمالها ومشاعرها، بل انقاذ العراق من محنة دمارية اخرى ومن ثمن مالي واقتصادي واجتماعي وحياتي آخر. الآن انتهى دور المماطلة ولعبة الشطرنج وكش الاحجار. لقد حدد الموعد النهائي للحرب علناً ورسمياً تحت سقف مجلس الامن. وبرغم معارضة المعارضين. وبرغم تظاهرات جميع ذوي النوايا الحسنة في العالم.

اجعلوا نداء كاسترو هو المخرج. انه رجل «منا». رجل لا نعرف اسما سواه في كل كوبا. ولا نرى صورة لغيره. ورجل يضع بلاده في الحصار منذ 40 عاماً بكل هدوء وافتخار. ومثلنا يعتبر نفسه منتصراً على الامبريالية ويتحدث عن ذلك ست ساعات كل عام. انه حليف صدوق افرز لحمايته الشخصية وحدها نحو 20 الف شخص. يا لها من سانحة ممتازة يجب الا تفوت.