الوحدة الوطنية اللبنانية ودورها في إحباط مخطط الأقليات الإسرائيلي

TT

قرقعة السلاح على حدود العراق، كادت تحجب ظاهرة ، بل حدثا هاما شهده لبنان، مؤخرا، و نعني به الاجماع الوطني بين مسلمي لبنان ومسيحييه حول بيان الاساقفة الموارنة الذي ايد موقف الرئيس السوري بشار الاسد في مؤتمر القمة، ورفض منطق الحرب الاميركية على العراق. فلأول مرة، ربما، بعد انتهاء الحرب اللبنانية على النحو السياسي الذي انتهت عليه، تتجلى وحدة وطنية لبنانية حول قضايا سياسية عربية ودولية ـ تقسم، عادة، اللبنانيين طائفيا بهذا الشكل الواضح والصريح، ولا ريب او خلاف على ان الوحدة الوطنية اللبنانية ليست شأنا لبنانيا فحسب، يسعد اللبنانيون بها ويعانون من فقدانها، بل انها شأن عربي قومي واقليمي ودولي،ايضا. فمن خلال تصدع الوحدة الوطنية اللبنانية في السبعينات استطاعت اسرائيل اجتياح لبنان مرتين وكادت تجعل منه محمية لها، كما ان تصدع هذه الوحدة الوطنية اللبنانية نقل النزاعات العربية ـ العربية الى داخله وحولها من نزاعات سياسية كلامية الى نزاعات مسلحة ودامية، ذهب ضحيتها مئات الالوف من القتلى والجرحى واخرجت المقاومة الفلسطينية من ارضه، ودمرت لبنان ودوره الحضاري الطليعي العربي، ثم ان للوحدة الوطنية اللبنانية، اواذا اردنا تسمية الاشياء بأسمائها، لهذا التلاقي السياسي بين الكنيسة المسيحية والاسلام السياسي في لبنان، ابعاد مبدئية وواقعية اخرى هامة على المستوى الدولي. فمنذ سبتمبر وادخال الولايات المتحدة العالم في حرب باردة ساخنة جديدة، لم تتوقف الاوساط السياسية ووسائل الاعلام، في الغرب كما في العالمين العربي والاسلامي، عن الحديث عن صليبية جديدة اوعن الحرب بين الاسلام والحلف المسيحي اليهودي، كخلفية لهذه الحرب. ولكن نظرة اعمق واصفى الى التاريخ، وبالرغم من الحروب الصليبية ومن مرحلة استعمار الدول الغربية للبلاد والشعوب الاسلامية، تبين ان الغرب المسيحي كان هوالظالم لليهود، وليس المسلمون الذين آووهم بعد طردهم من الاندلس، وعاشوا معهم بسلام الى اليوم الذي نجح المشروع الصهيوني العرقي الديني في اقامة دولة اسرائيل. وبالرغم من كل الضغوط السياسية والمعنوية التي تمارسها اسرائيل واللوبيات اليهودية على الكنيسة المسيحية، فأن الفاتيكان ما زال،حتى الآن، معارضا لاستيلاء اسرائيل على القدس ورافضا لسياسة الامر الواقع التي تمارسها وانه لمن مصلحة الدول العربية والاسلامية المحافظة على صداقة الكنيسة المسيحية ومنع تنفيذ المخطط الاسرائيلي الرامي الى الايقاع بين المسيحية والاسلام.

اما البعد الآخر لنجاح واستمرار الوحدة الوطنية او الوفاق الوطني اوالتعايش السلمي ما همت التسمية بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، فهو في تأثيره على الوحدة الوطنية القومية بين الاكثرية المسلمة في العالم العربي والاقليات المسيحية ففي العالم العربي، لا في لبنان فحسب، ملايين من المسيحيين تمتد جذور وجودهم الى ما قبل الاسلام حافظت الدولة الاسلامية عليهم وعلى حقهم في ممارسة معتقداتهم،مسجلة صفحة رائعة من صفحات التاريخ، وحافظوا هم بدورهم في الولاء للدولة الاسلامية وفي العمل لخدمة وتطوير المجتمعات العربية وكان لهم مواقف وطنية صريحة في النهضة العربية وفي التضامن مع الاكثرية العربية الاسلامية في مقاومة المشاريع الاستعمارية والعدوانية، منذ العهد الصليبي حتى الاغتصاب الاسرائيلي لفلسطين. لقد حاولت اسرائيل ـ ولا تزال تحاول تحريض الاقليات المسيحية - وغيرالمسيحية ايضافي العالم العربي على الانظمة والاكثرية الاسلامية واستطاعت تحقيق بعض النجاح، احيانا ولكن العقل والشعور التاريخي والولاء القومي تغلب عند الاقليات على المناورات الاسرائيلية، ولكن لا بد من الاعتراف ـ ومن التحية بفضل الفاتيكان، رأس الكنيسة الكاثوليكية، في اقناع وتشجيع مسيحيي الشرق،في لبنان والمنطقة العربية والعالم، على اولوية التعايش السلمي مع الاكثرية المسلمة، وعلى التحسس بقضاياهم والتعاون الصادق معهم على مجابهتها وحلها (الارشاد الرسولي البابوي عام1997).

ان ما يسمى باليمين المسيحي المحافظ في الولايات المتحدة ليس سوى تكتل سياسي بروتستانتي الجذور توراتي العقيدة، وهوابعد ما يكون عن رسالة السيد المسيح وعن تعاليم الكنيسة الكاثوليكية اوالكنيسة الارثوذكسية، الحقيقية، لا سيما في عالمنا اليوم. ان السلاح السري الاسرائيلي كان ولا يزال العمل لأبقاء العرب والمسلمين منقسمين على بعضهم البعض، وتحريض الطوائف والمذاهب والاعراق المتعددة في العالم العربي، بعضها على بعض وتعميق الهوة الفاصلة بينهم، ومن جهة اخرى تحريض الغرب الاميركي والاوروبي، مسيحيا كان ام علمانيا، على العرب والمسلمين وتصوير هؤلاء كالخطر الرئيسي على سلامتهم ومصالحهم، وان مقاومة الحكومات والشعوب العربية والاسلامية لهذه المؤامرة الاسرائيلية، لا تقل اهمية عن طرق المقاومة الاخرى. ولا شك في ان الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في لبنان، انما هي محك اساسي في تعطيل هذا السلاح السري الاسرائيلي.