أميركا تحتاج إلى مجلس الأمن لإعادة بناء العراق

TT

مع الانقسامات المتطرفة التي تسيطر على اعضاء مجلس الامن، خصوصا بعدما بالغت الدول الخمس التي تملك حق الفيتو في شروطها وصارت المواقف بمثابة تحديات شخصية، رأى احد الكتاب الاكاديميين، انه اكاديمياً يجري العمل دائما على اساس اصدار الاحكام. يقول الحكم مثلا ان صدام حسين رجل سيئ ويجب التخلص منه، انما كيف تكون الطريقة؟ وفي السياسة يجب وضع تخطيط ما، يمكن القول ان تُقْدِم الولايات المتحدة على عقد اتفاقية دفاعية مع صدام حسين، تتولى حمايته، عبرها، من اي هجوم من ايران مثلا، وبالتالي فهو لا يحتاج الى كل هذه الاسلحة. بعدها قد تقترح الولايات المتحدة ان تشتري منه كل الاسلحة، وبكلمة اخرى، ترسم الولايات المتحدة خطة محكمة بدل ان تقرر الحرب فقط كوسيلة.

لكن، اقول لمحدثي، اننا قطعنا هذه المرحلة ووصلنا الى نقطة الحسم في مجلس الامن، وعلى الدول ان تصوّت بطريقة او بأخرى؟ يجيب، انه حتى في هذه المرحلة، يمكن وضع اطار عمل يوفر لصدام حسين ان ينسحب من السلطة بشرف، كأن تقول الولايات المتحدة انها تضمن تحديد تاريخ لاقامة دولة فلسطينية مستقلة، عندها يمكنه ان يستقيل قائلا، انه فعل شيئا مهما للعالم العربي، وبعدها تستطيع الولايات المتحدة ان تجرد العراق من الاسلحة الممنوعة.

ويقول ان مشكلة الدول الاعضاء التي تملك حق الفيتو انها وضعت نفسها في زاوية يصعب الخروج منها، فهناك عدة خيارات وليست هذه الدول متأكدة مما تختاره، في حين انها كدول كبرى مطلوب منها ان تتخذ القرارات الحاسمة، فهي يجب ان تكون خلاقة ومخططة، والآن تتعرض من شعوبها لانتقادات لانها غير قادرة على اتخاذ القرار، وانطلاقا من هذا، يسهل دائما على الديكتاتوريين اتخاذ قرارات غير اعتيادية لانهم لا يحسبون حساب الشعوب.

لكن اللوم لا يقع فقط على الدول الاعضاء التي تملك حق الفيتو، فكل منها مسؤول امام ناخبيه، ويفكر المسؤلوون فيها بتجديد فترة حكمهم، عكس ما حدث مرة في بلاد الاغريق، حيث كانوا ينتخبون حكومتهم بالقرعة من اجل تجنب الفساد والرشاوى ولتسهيل اتخاذ القرارات الصائبة.

ويرى محدثي الكاتب الاكاديمي، ان ما كان على الامم المتحدة فعله منذ زمن بعيد، هو تعريف الدول المنبوذة والخارجة على القانون، على غرار ما كان يحدث في الغرب المتوحش، فاذا اعتبر احدهم خارجا عن القانون، كانت النار تطلق عليه فور ظهوره لذلك، اذا اصبحت دولة خارجة عن القانون بمفهوم قانون الامم المتحدة، تفرض عليها شروط كثيرة بشكل فوري، كمنع التجارة معها وفرض العقوبات عليها ان وضع نظام يحدد مفهوم الدول التي تخرج عن القانون كان يجب اعتماده منذ زمن، بدل ان يبرز رد فعل على كل وضع طارئ.

على كل، الخلافات بين الدول الاعضاء في مجلس الامن واسعة، ورغم تهديد فرنسا وروسيا باستعمال الفيتو، تستمر الولايات المتحدة في تحذيراتها بالتوجه الى الحرب من دون قرار دولي.

لكن، من المؤكد ان الولايات المتحدة وبريطانيا لم تحضّرا جيدا المطلوب منهما قبل الحديث عن قدرتهما على استصدار قرار دولي جديد يسمح بشن الحرب على العراق، والوضع الذي يعيش فيه مجلس الامن حاليا هو وضع استثنائي، اذ ان كلا من الدول المعنية تنشط سياسياً في محاولات بائسة لكسب التأييد لمفهومها للقرار، اذ لم يحدث سابقا ان عُرض قرار على التصويت، قبل حصول العد، وهذا، كما يقول سيمون تشسترتون من اكاديمية السلام الدولية في واشنطن، دليل على اليأس الذي تشعر به الولايات المتحدة وبريطانيا في محاولة لكسب الدعم لهذا القرار.

لكن من سيكون الخاسر بسبب انقسامات مجلس الامن؟ اضافة الى الشعب العراقي، كما يقول تشسترتون، هناك عدد من الاوضاع المختلفة التي تبدو بسببها الامم المتحدة مهمة وخصوصا مجلس الامن، انما علينا ان نتذكر ما قاله الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش في مؤتمره الصحفي ليل الخميس الماضي، من ان بلاده لا تحتاج الى اذن من احد، اذا قررت استعمال القوة في العالم، وهذا قد يكون طرح القوة العظمى في العالم، لكن، هناك تيار قلق ضمن الولايات المتحدة يرى انه من اجل اعادة بناء العراق فإن اميركا ستحتاج الى مساعدة مجلس الامن من اجل جذب بعض الحلفاء.

لكن، قد يكون مجلس الامن مهما اكثر لبريطانيا وفرنسا، وبريطانيا بالذات، حيث يعاني طوني بلير من مشاكل داخلية كثيرة، انما ايضا لان فرنسا وبريطانيا هما عضوان دائمان في مجلس الامن، مما يوفر لهما نفوذا نسبيا في العالم، ولا تريدان خسارة هذا. يمكن لما سيحدث لاحقا في مجلس الامن، ان يشكل فاصلا حاسما بين مفهوم التوافق الذي حافظ حتى الآن على العالم الذي نعرفه وبين العالم الجديد الذي تريده الولايات المتحدة. ويقول تشسترتون انه اذا نظرنا الى ما حدث في العقد الماضي، فان ما سيحدث لن يكون منعطفا كبيرا عما حدث في كوسوفو، حيث ان القرار الذي اتخذ تجاوز مجلس الامن كليا، واذا ما قارنا الوضع بسنوات الحرب الباردة، فلم يكن هناك اي حديث عن وحدة مجلس الامن. ويرى ان العقد الماضي كان بداية فعلية لما يسمى النظام العالمي الجديد، حيث بدأت الدول تعترف، حتى من دون الاعلان عن ذلك، بدور الولايات المتحدة المسيطر، والسؤال الآن هو كيف سيكون رد فعل الامم المتحدة على عالم ذي قطب واحد.

الطريف هنا، بروز الدول الافريقية ـ التي صادف انها عضو هذه السنة في مجلس الامن ـ نقطة جذب تريد الدول الكبرى كسبها، والجميل ان هذه الدول قررت اعتماد سياسة العرض المناسب، خصوصا ان الدول الكبرى بدت وكأنها تضع على عاتق الدول الافريقية مسؤولية اتخاذ قرار لانقاذ مهمة مجلس الامن!

انغولا مثلا رفضت انذار الفترة الزمنية المحددة، وقال احد المسؤولين فيها، ان الغرب يضغط علينا ويغرينا، يتهم انغولا بالفساد يوما ليسحب الاتهام في اليوم الآخر. على كل، حتى الآن تقول الحكومة هناك ان موقفها لم يتغير عما اتفق عليه في المؤتمر الافريقي الاخير وهو ان تقرر الامم المتحدة حل الازمة سلميا. وتشعر انغولا ان صوتها مهم، لكن حسب الاشارات الصادرة منها فهي ستعارض الحرب. الفرنسيون لم يقدموا شيئا سوى بعض الدعم في مؤتمر للدول المانحة الذي ستنظمه انغولا في نهاية هذا العام في بروكسيل.

ويذكر ان هناك احتياطيا نفطيا مهما في انغولا، وهناك شركات نفطية كبرى مهتمة بأنغولا، وترى انغولا ان الادارة الاميركية مكونة الآن من رجال نفط والشركات الاميركية تستثمر في انغولا، لكن تشعر دائما بتوتر في علاقتها مع اميركا لان ديك تشيني، نائب الرئيس الحالي، كان الرجل الذي نظم الدعم خلال ادارة بوش الاب، لمنظمة يونيتا. ومن جهة اخرى، لا ترتاح الحكومة الانغولية لفرنسا بسبب صفقات السلاح التي ابرمها سراً ابن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتران، لكن، قد تميل انغولا الى الوقوف مع فرنسا في مجلس الامن. اما الكاميرون فقال وزير خارجيتها انه سعيد بأن العالم كله يتطلع الآن الى الكاميرون، ولكنه اضاف ان موقف الكاميرون سيُعرف لحظة التصويت. وتتولى غينيا رئاسة المجلس هذا الشهر ولا تشعر براحة لانها تحت الاضواء، وقد تصوّت الى جانب الولايات المتحدة وبريطانيا، خصوصا ان واشنطن عرضت ما يسيل له لعاب الحكومة، وهي قد تميل الى قبول ديبلوماسية الدولار رغم رغبتها في المحافظة على ولائها لفرنسا التي استعمرتها وعرفتها طويلا.

الآن، قد يقدم صدام حسين على الاعلان بأن لجانه الداخلية اكتشفت مواد عسكرية ممنوعة، عندها قد تؤكد واشنطن ولندن ان هذا الاعتراف من صدام حسين يؤكد سياسة الخداع التي يعتمدها، وبالتالي ان التهديد الجدي بالحرب وحده يؤدي الى نتيجة. ويقول مصدر اميركي، لو ان صدام حسين وافق خلال الشهر الماضي على تجريد العراق من اسلحة الدمار الشامل لكانت هناك فرصة لانقاذ نظامه رغم تردد البيت الابيض بقبوله. الآن فات الوقت. واذا صدر قرار دولي جديد وحاسم وكشف بعده العراق عن كل ما تبقى لديه من اسلحة، فان هذا قد يعطيه فترة زمنية قصيرة للتنفس، لانه سيصبح واضحا في نهاية هذا الشهر، ان رحيله كان مطلوبا، اذا رغب العالم في تجنب الغزو. فاذا لم يغادر السلطة، حتى بعد تجريد العراق من الاسلحة، فهناك احتمال بنسبة 50% بان الحرب ستقع في منتصف شهر نيسان (ابريل).

واذا لم يحدث هذا السيناريو، ووقعت الحرب من دون قرار دولي، فان الدولة الوحيدة التي سيكون لها تأثير لاحقا على اميركا هي بريطانيا، تليها بحد ادنى اسبانيا. والسيناريو الاسوأ للذين عارضوا واشنطن سيكون بوقوع حرب سريعة، ومغادرة صدام حسين السلطة وسط ارتياح عراقي، والاكتشاف لاحقا لاسلحة بيولوجية وكيماوية عجز المفتشون عن معرفة طريقهم اليها.

كل هذا يعني، ان الحرب واقعة، لان اي دولة، مهما كان موقفها، لم يعد باستطاعتها المغامرة بالسماح ببقاء صدام حسين.