حرب تغير العالم

TT

الحرب التي بدأت امس ليست كغيرها من الحروب. وعالم ما بعد هذه الحرب لن يكون هو نفسه عالم ما قبلها. ومع ان الدولة التي تدور المعارك في اجوائها وفوق أراضيها ستكون أول المتأثرين بما سينتج عن هذه الحرب، فان المنطقة نفسها لن تكون بمنأى عن تأثيرات الحرب، ناهيك من بقية الدول العربية والاسلامية، فأغلبها مرشح ايضا للتأثر بتبعات هذه الحرب، وإن اختلفت درجة التأثر من دولة الى اخرى.

الى ذلك، من المؤكد ان المشهد السياسي الدولي سيبدو مختلفا بعد هذه الحرب، وربما قبل ان تتوقف. والواقع ان هذا المشهد بدأ يتغير منذ بدأ تصاعد ايقاع الأزمة. فواقع الامم المتحدة ودورها خلال محاولة التعامل الدبلوماسي مع الأزمة، لم يكونا كما اعتادت عليهما الاسرة الدولية. الآن، وبعدما انطلقت الصواريخ من دون قرار دولي يجيز بوضوح لا لبس فيه ولا جدال حوله استخدام القوة ضد العراق، من الطبيعي ان يثار سؤال مهم حول مستقبل الأمم المتحدة ودورها، وخصوصا دورها في حل المنازعات بين الدول، وبشكل اكثر خصوصا ايضا دور مجلس الأمن.

وهناك ايضا اوروبا واتحادها. لا شك ان اوروبا ما بعد الحرب على العراق لن تكون هي نفسها التي كانت قبل الحرب. فمنذ توقفت مدافع الحرب العالمية الثانية لم تشهد اوروبا انقساما بين دولها بهذه الحدة كما حدث في الانقسام بشأن التعامل مع الأزمة العراقية. لذا، من الطبيعي ان المشهد الاوروبي سيختلف بعد هذه الحرب. الأرجح ان تحالفات جديدة ستنشأ، ولا شك ان علاقات واشنطن مع اوروبا ستتخذ ابعادا مختلفة، والأرجح انها ستكون محكومة بمواقف دول القارة من تعامل ادارة بوش مع الملف العراقي. هذا سيقود بدوره الى البحث في مستقبل حلف شمال الاطلسي (ناتو) في ضوء تهميش دوره في التعامل مع الأزمة. ومن اللافت ان يتوافق انعقاد قمة دول «الناتو» في بروكسل امس مع بدء الحرب على العراق. وما لم يتبلور في هذه القمة موقف يعطي للحلف دورا اكثر تأثيرا في الحرب وما بعدها، فإن علامة استفهام كبيرة ستظل تحوم حول مستقبل علاقة التحالف بين ضفتي الاطلسي.

يبقى ايضا سؤال مهم يخص دور الولايات المتحدة كقوة عظمى وحيدة. ما هي حدود هذا الدور، وهل يبقى محكوما بقواعد «عقيدة بوش» أم انه سيختلف في مرحلة ما بعد بوش؟ من المنطقي ان الاجابة عن هذا السؤال مرتبطة بما ستنتهي اليه الحرب.

لقد تغير العالم بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر (ايلول) 2001. وليس من المبالغة القول انه حتى بمقاييس عالم ما بعد 11 سبتمبر، فإن عالم ما بعد حرب العراق سيكون مختلفا، ليس فقط في العلاقات ما بين الدول، تضادا وتحالفا، بل هو عالم يتوقع كثيرون ان يكون مختلفا ايضا حتى في نسيج العلاقات الداخلية في كثير من المجتمعات، وفي مقدمها المجتمعات العربية والاسلامية.