صدام وكعبه الأخيلي

TT

تقول اسطورة طروادة ان البطل أخيل كان محصنا ضد القتل في كل جسمه باستثناء كعب رجله. انه نقطة الضعف الوحيدة التي يمكن قتله منها. «كعب أخيل» اصبح المثل الذي يطلق على نقطة الضعف التي قد توجد في اي جبار عنيد. وكعب اخيل عند صدام حسين كان مصداقيته.

كتبت مقالة بعد غزوه للكويت قلت فيها ان الرئيس العراقي لم يعد قادرا على الحكم لأنه فقد مصداقيته. فقدها اولا بغزوه لايران بعد توقيعه على معاهدة الجزائر مع الشاه. ثم ثنَّى ذلك بعد غزوه للكويت رغم كل وعود الصداقة والتضامن التي اعطاها لامرائها.

الرجل عنده كلمته. اذا فقدها، فقد كيانه فقد مصداقيته. تقلب رجال السياسة شيء مألوف، ولكن عندما يصدر واحد منهم تعهدا باسم الدولة التي يحكمها فذلك أمر لا يسهل تجاوزه. من اسرار عظمة الملك عبد العزيز رحمه الله ونجاح دبلوماسيته التزامه بهذه القاعدة. وكذا نقول عن سر نجاح اليهود في التجارة والاعمال. لقد ادركوا ان نجاح التاجر في السوق يتوقف على احترام الناس لكلمته وتعهداته. ولنا في قصة السموأل مثال على ذلك.

والناس على دين ملوكها. سرعان ما انضم اليه سائر موظفي الدولة والجهاز الحزبي في هذا السلوك. لم يعد احد يثق بوعودهم. يصدرون شتى الدعوات والتصريحات والمبادرات دون ان يثق اي احد بما يقولون. وكيف يمكن غير ذلك، ورئيس الدولة يعطي عهدا بالامان لأزواج بناته، ثم يأمر بقتلهم حالما يصلون بغداد!

من العيوب الرئيسية لمثل هؤلاء الحكام الذين ارتقوا فجأة من المقاهي الى مركز السلطة انهم ليس لهم اي معرفة كافية بالتاريخ السياسي للامم والعلاقات الدولية. اعطاهم هذا الجهل الفكرة الساذجة بأن كسب نقطة بتعهد كاذب، ثم نقض ذلك في اول فرصة نوع من البراعة والجدعنة دون ان يفطنوا الى نتائج المدى البعيد في فقدان المصداقية. وقع بمثل هذا الجهل هتلر عندما وقع مع تشمبرلن على ان السوديت هو كل ما تريده المانيا. بعد اسابيع قليلة استولى على الدانزغ ففقد المصداقية وقرر الحلفاء ما قرروه الآن بشأن صدام.

هذا شيء كرره النظام العراقي باستمرار في تعامله مع الاكراد والدول العربية والاسرة الدولية، وطبعا مع مواطنيه ايضا. تعهد بعد غزو الكويت بتدمير كل اسلحة الدمار الشامل، ثم اتضح انه كان يواصل انتاجها وتطويرها. انه يعدهم الآن بالتوبة، ولكنهم يعرفون انها توبة «القط مع الفيران». هذه هي مأساته الآن والمقلب الذي اوقع نفسه فيه. لم يعد يصدقه احد او يثق به.

تنحيته عن الحكم شيء يهم كل العرب، لا من حيث خطره على المنطقة، وانما لأثره على سمعة الدول العربية. الغربيون يعتقدون تقليديا ان العرب كذابون ومخاتلون ولا يؤتمنون بشيء. سلوك النظام العراقي يدعم انطباعهم هذا. لا بد ان يسألوا انفسهم، هل ان صدام شخصية استثنائية بين فريق الساسة العرب؟ كيف نال هذه الشعبية والتأييد من الجماهير العربية، اذا لم تكن هذه الجماهير تعتبر الكذب والمخادعة فضيلة، او على الاقل صفة مقبولة ومنسجمة مع التراث والاخلاق العربية؟ هذا شيء خطير يهم كل عربي على النطاق الفردي والحكومي. كيف سنستطيع ان نتعامل مع العالم اذا كان الناس ينظرون الينا كقوم، الكذب والخداع وعدم الامانة صفات متأصلة فينا؟ الفساد عندنا شيء يعنينا نحن ولا يعني الآخرين الاجانب، ولكن عدم المصداقية شيء يعنيهم، وبالتالي سيؤثر على دبلوماسيتنا وعلاقاتنا التجارية والمالية والمصرفية. سيأتي يوم لا تقبل البنوك الدولية حتى رسائل الاعتماد الصادرة من بنوكنا. ازاحة هذا النظام العراقي مطلب اساسي لاصلاح البيت العربي.