أميركا على مفترق طرق

TT

لا أحد يحب امريكا. حتى اولاد عمها الانجليز لا يحبونها. ولكن امامها الآن فرصة لقلب هذه الصورة. والفرصة سانحة في العراق. في الانذار الذي وجهه بوش لصدام حسين، نطق بعبارات ارجوانية خلابة بشأن تحرير العراقيين وانقاذهم وبناء مستقبل زاهر لهم، على تحويل هذه الكلمات الى واقع، تتوقف العملية لتحسين صورة الولايات المتحدة. المخططات الامريكية تتضمن حتى الآن تجهيز 25.000 مدرسة بمستوى عصري وتجهيز مستشفيات تخصصية في 21 مدينة وتوفير مستشفيات ولادة مجانية لكل نساء البلاد. وبالطبع توفير الغذاء والدواء والكساء. والشركات ما زالت تتهالك على العقود والاعمال. سيكون هناك صندوق خاص توضع فيه عوائد النفط لتصرف على اعادة البناء، على المستوى السياسي يتحدثون عن اجراء استفتاء وابرام دستور دائم واجراء انتخابات حرة واقامة نظام ديمقراطي.

اذا استطاعت امريكا وبريطانيا تحقيق هذه الأماني فستفتحان فصلاً جديداً في تاريخ الانسان. سيعطي هذا الفصل الأمم المتحدة والقوى الديمقراطية الحق في التدخل لاسقاط الانظمة الدكتاتورية اللا شرعية التي يختطف فيها فرد دولة بكاملها بالتآمر واستعمال القوة ثم يبتز العالم ويسوم شعبه العذاب ويهدد السلام ويتبنى الارهاب. وبذلك سيزول سرطان الدكتاتورية في كيان الجسم البشري ولا يبقى للمغامرين المختلين والمتخلفين مكان على هذه الأرض. وبنجاح هذه التجربة سيكتب لها ما سموه بأثر قطع الدومينة فتنتقل التجربة والمثال العراقي الى سواه من الانظمة الدكتاتورية القائمة على الارهاب.

العراق مؤهل لهذه التجربة لأنه ليس كالصومال أو افغانستان، انه دولة غنية تستطيع ان تنفق على التجربة من كيسها. وله تاريخ حضاري مجيد وكوادر بشرية ناضجة ومتعلمة ومتحررة. شعبه متفتح لكل جديد ويحافظ على كثافة سكانية معقولة.

بنجاح هذا المشروع، ستستطيع الولايات المتحدة ان تنال اعجاب العالم وتزيل من طريقها ومكانتها هذا الكره العالمي لها وتصبح رسالتها كشرطي كوني حقيقة محمودة ومقبولة.

على الطرف الآخر، اذا فشلت المحاولة، ولم تحقق ما وعدت به. وفشل النظام الانتقالي في ادارة البلاد ولم تقم الديمقراطية في الاخير، وسقط العراق في لجة من التقاتل والحروب الاهلية التي تجعله لقمة سائغة مرة اخرى لصدام حسين ثان، ولملم الامريكان والبريطانيون عفشهم وغادروا البلاد، فسيكون لهذه النتيجة وقع عسير على شتى الجبهات. ستثبت الولايات المتحدة رياءها وجريها وراء مصالحها الآنية فقط. ستفقد ما بقي من هيبتها الاخلاقية وتصبح مجرد دولة امبريالية على الطراز القديم.

سيستطيع كل اصدقاء صدام ان يواجهوا العالم ويقولوا: «ألم نقل لكم؟ لا يوجد بديل لصدام. انه الرجل المناسب لشعب غير مناسب». وبهذه المقولة سيتحصن امثاله في كل مكان. وتصبح الدكتاتورية الوصفة الصالحة للشعوب الطايحة الحظ. وبها ستفقد عزيمتها وأملها في اي تغيير لما هو أصلح. كما أدى فشل الانظمة الليبرالية العربية في الخمسينات الى ظهور الانظمة الدكتاتورية العسكرية، سيؤدي فشل المحاولة التحريرية في العراق الى ترسخ انظمة الطواغيت.

سيكون هذا تطورا لعينا. لا تقع مسؤولية تفاديه على الامريكان فقط، وانما على العراقيين ايضا. سيتوقف الكثير على سلوكهم وتعاملهم مع الوضع الجديد. لا بد من تحاشي العنف والتعاون مع السلطة الانتقالية الحاكمة وتجاوز الحزازات الطائفية والحزبية والصبر ثم الصبر ثم الصبر. على الجميع ان يحفظوا المثل اللاتيني: «لم تشيد روما في يوم واحد». ولا بغداد هارون الرشيد.