سلام صعب بعد حرب غير حكيمة

TT

يتعين علينا، وقد بدأت الولايات المتحدة ضرباتها ضد العراق، ان نتخلص من احدى الاشاعات المضللة فورا، وهي فكرة ان انتقاد ادارة بوش ومعارضة هذا الغزو يدللان، بمعنى ما، على الافتقار الى الدعم او الاهتمام بالرجال والنساء الذين يخوضون الحرب.

ان اسماء كثير من اصدقائي مدونة على جدار نصب فيتنام التذكاري، الامر الذي يجعلني لا اتسامح مع ذلك النوع من الهراء. وآمل ان تمضي الحرب بيسر، وان تنتصر قواتنا سريعا، وان تكون الاصابات في ادنى حد ممكن في كل مكان.

ولكن حقيقة ان الحرب قد تكون سريعة لا تعني انها حكيمة. فعلى الضد من رغبات معظم دول العالم، لم نندفع الى الحرب وحسب، وانما باتجاه سلام يحتمل ان يكون اكثر اشكالية من الحرب نفسها.

فهل الاميركيون مستعدون لدفع ثمن حياة الجنود والاموال الضرورية لاحتلال عسكري طويل الامد للعراق؟ وفي سبيل اية غاية؟ وهل سيؤدي احتلال العراق الى زيادة او نقصان أمننا هنا في داخل البلاد؟ وهل يدرك معظم الاميركيين انه بينما نشن أفظع الهجمات الجوية في تاريخ الحرب، تصطف الشركات الخاصة لجني ثروات اعادة اعمار البنى ذاتها التي تمارس عملية تدميرها؟

ان شركات مثل هاليبرتون وشلومبيرغر ومجموعة بكتل تفهم هذه الحرب على نحو افضل بكثير مما يفعله الرجال والنساء الذين يخوضونها ويموتون فيها، او الوطنيون الجالسون على الكراسي ذات الذراعين ممن يتابعون الـ«سي. ان. ان» ويشجعون المحاربين بالهتاف.

وليس من غير الوطني ان يقول المرء ان هناك مليارات الدولارات ستجنى في العراق، وان الاندفاع نحو الاموال يجري حاليا. انه ببساطة، حقيقة واقعية.

وقد اشارت مقالة نشرت في يناير (كانون الثاني) الماضي في صحيفة «وول ستريت جورنال» الى ان «العراق، الذي يعتبر ثاني اكبر بلد في العالم من حيث الاحتياطي النفطي بعد السعودية، يوفر لصناعة النفط فرصة هائلة اذا ما اطاحت الحرب بصدام حسين. ولكن المغانم الاولى ستذهب الى جيوب الشركات التي تعمل على ادارة وتشغيل العمليات النفطية المتوقفة حاليا، خصوصا اذا ما دمرت التسهيلات في الحرب. وينظر الى شركات الخدمات النفطية مثل شركة هاليبرتون، التي كان نائب الرئيس ديك تشيني يعمل رئيسا تنفيذيا لها، وشركة شلومبيرغر، باعتبارها شركات مفضلة لعقود يمكن ان تصل قيمتها الى 1.5 مليار دولار».

وهناك قلق هائل في اعلى المستويات في وزارة الدفاع (البنتاغون) بشأن هذه الحرب وعواقبها. فالرئيس ومستشاروه المدنيون يراهنون على حد كبير على الابتهاج المتوقع للسكان المحررين ما ان تنتهي الحرب. ولكن العراق بلد غير مستقر اساسا. وبينما تتمتع القوات المحتشدة لازاحة صدام من السلطة بالكفاءة العالية في الحرب، فان القوات العسكرية ليست معدة على نحو جيد لاحتلال طويل الامد في هذه المنطقة من العالم الابعد عن الاستقرار.

ان ما يقف وراء هذه الحرب هو وجهة نظر الرئيس بوش الثنائية حول العالم ورؤيته نفسه كشخص مخلّص منتظر، والنظرة المتسمة بالمبالغة الخطرة للقوة الاميركية، وهي النظرة التي يحملها كبار مستشاريه ممن يدقون طبول الحرب، والاغراء الذي لا يمكن مقاومته لاحتياطات العراق النفطية الهائلة.

وتظهر استطلاعات الرأي ان الجمهور مشوش الى حد بعيد بشأن ما يجري، الى حد ان ما يقرب من 40 في المائة يعتقدون ان صدام حسين متورط، شخصيا، في احداث الحادي عشر من سبتمبر. ان ذلك مرعب حقا. وبدلا من تصحيح هذا الفهم الخاطئ، تخرج الادارة عن مسارها لتعزيزه.

وأرى ان الرجال والنساء الذين يتحركون عسكريا ضد صدام هم بين قلة من الافراد الشجعان حقا بل والنبلاء في مجتمعنا. فقد تطوعوا لانجاز الواجب الخطر في الدفاع عنا. ولكني اعتقد، ايضا، انهم يوصفون، على نحو غير مبرر، بانهم في طريق الأذى.

ونتيجة للتصعيد العسكري من الصعب ان نجد زعيما في العالم اكثر تورطا من صدام حسين في الوقت الحالي. ان اصطفافا بارعا للضغط الدولي كان بوسعه ان يرغمه على التنحي عن السلطة، ولكن لن تتوفر في هذه الحالة فرصة الحرب والاحتلال لادارة بوش. ولن تكون قادرة على تحويل العراق الى محمية اميركية، وهو تعبير بديل مناسب للمستعمرة.

هل هي فكرة جيدة ان يجري تحرير الشعب العراقي من شخص منحط مثل صدام حسين؟ نعم، بالتأكيد. ولكن كانت هناك سبل افضل وأقل خطرا لتحقيق ذلك.

في العبارة المنقوشة لاحياء ذكراه تحت عنوان «حاضر في العالم»، اقتبس دين أشيون، المحامي الاميركي الشهير، قولا لملك اسبانيا المثقف في القرن الثالث عشر، الفونسو العاشر: «لو كنت حاضرا في العالم لكنت قد قدمت بعض الافكار النافعة من اجل تنظيم افضل للعالم».

* كاتب اميركي ـ خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»