التجارة القذرة!

TT

ما سر هذه القوة العاتية التي تتمتع بها شركات السجائر الكبرى في أمريكا إلى درجة أنها لا تزال صامدة وتحقق المكاسب الطائلة بالرغم من كل القضايا التي ترفع ضدها في المحاكم على اعتبار أن هذه الشركات مسؤولة عن بيع منتج مميت تنجم عنه آثار بالغة الضرر على صحة الإنسان؟ فبالرغم من المعارضة الشعبية والرسمية التي تلقاها هذه الشركات العملاقة إلا انها تحولت إلى كائن خرافي لا قبل لأحد بمنازلته أو بمحاصرته والتقليل من أضراره على البشرية.

في عام 1944 وأمام لجنة من لجان الكونجرس الأمريكي، أقسم أصحاب سبعة من أكبر شركات السجائر في الولايات المتحدة الأمريكية على أن النيكوتين الموجود بالسجائر هو مادة إدمان وأن هؤلاء الذين أدوا القسم أمام لجنة الكونجرس الأمريكية كانوا يعلمون تماماً أن مادة النيكوتين تسبب الإدمان منذ سنوات طويلة وأنهم سيستغلون خاصية الإدمان نفسها في تحقيق مكاسب بمليارات الدولارات.

(تجارة دنيئة) هو عنوان كتاب للمؤلف بيتر برينجلي يروي فيه أبعاد المؤامرة التي عمرها الآن أكثر من أربعين عاماً وتدر على المتآمرين الأرباح الطائلة من بيع منتج مميت. ويشير الكتاب إلى العام 1995 الذي رفعت فيه أمام القضاء الأمريكي ثلاثمائة قضية تطالب بتعويضات عن الأضرار التي سببها التدخين للكثير من الضحايا وبالرغم من ذلك فقد نجحت هذه الشركات في الإفلات من كل هذه القضايا عن طريق التحايل في القانون ولم تتعرض لدفع أي شيء على سبيل التعويض في هذه القضايا.

يكشف مؤلف الكتاب عن التحول الكبير في موقف شركات السجائر الأمريكية في عام 1997 الذي جعلها توافق على تمويل حملات إعلانية تحذر من التدخين وآثاره، وبالطبع كان هناك سبب أدى إلى تغيير موقف شركات السجائر وهذا السبب يتركز في قيام ميريل ويليامز أحد العاملين بمكتب محاماة كبير كان مكلفاً بقضايا إحدى الشركات العملاقة التي تعمل في مجال السجائر بسرقة مستندات هامة تثبت تواطؤ شركات السجائر وتضامنها معاً للاضرار بصحة الناس نظير الكسب المادي الكبير.

في حديثه عن قضايا التدخين كشف الكتاب عن المحامين الذين يحاولون إظهار براعتهم ليس في الدفاع عن ضحايا التدخين ولكن في الدفاع عن شركات السجائر، موضحاً بعض الأرقام التي تشير إلى التجارة الدنيئة وأبطالها من المحامين في أكثر من خمسمائة مؤسسة قانونية في أمريكا الذين يعملون في خدمة شركات السجائر والذين تتجاوز أرباحهم سنوياً ستمائة مليون دولار أمريكي من جراء احترافهم وسائل كسب القضايا المرفوعة من ضحايا التدخين ضد تلك الشركات الشريرة.

يدعو المؤلف في نهاية كتابه العاملين في مجال صناعة السجائر إلى قراءة مؤلفه «تجارة دنيئة» لعل انهيار هذه الشركات الضخمة التي تكسب الأموال الطائلة خصماً من صحة الإنسان، يأتي من داخلها بعد أن فشلت كل الطرق والوسائل الأخرى لردعها.