الصحّاف «الإنترنتي».. والدوري «الدمعوي».. والسعدي «الاستسلامي»

TT

لقيت إطلالة وزير الإعلام العراقي السابق، الدكتور محمد سعيد الصحاف، المجهول محل الاختفاء حتى اشعار آخر، من متابعي العدوان الأميركي ـ البريطاني على العراق عرباً وأجانب الاعجاب.. وإلى حد أن الموقع الذي أنشأه له على الانترنت أحد الكتّاب المقيم في «ألاسكا» حظي بإقبال منقطع النظير بحيث أن أربعة آلاف زائر دخلوا عليه في الثانية، الأمر الذي سيجعل من هذا الكاتب صاحب الموقع مليونيراً ما دام سيحوِّله إلى «بيزنيس».. حيث سيعرض للبيع على الموقع بعض المقتنيات مثل القمصان القطنية والأردية التي تحمل عبارات وردت في المؤتمرات الصحافية للوزير الصحّاف مثل عبارة «سيشوي الله بطونهم في جهنّم».

في المقابل لقيت المبادرة التي قام بها مندوب العراق لدى الأمم المتحدة السفير محمد الدوري من متابعي التطورات العراقية الاحترام والتقدير عندما تابعوا على شاشة فضائية «العربية» المقابلة التي أجرتها معه وكانت بمثابة موقف على درجة من التميز يجمع بين اللياقة والمبدئية واحترام النفس والولاء للوطن. وفي المقابلة، التي تحولت الى حدث دبلوماسي مهم وبثتها «العربية» يوم السبت الماضي في الوقت الذي كان فيه الرجل قد حزم حقائبه وغادر الى دمشق عن طريق باريس، أشاد الدوري بمدينة نيويورك وأهلها وقال بعفوية مطلقة إنه يغادر لأنه لا يستطيع البقاء على أرض دولة اعتدت على بلده وتواصل احتلاله، وأنه لم يغادر مستقيلاً لأنه يمثل العراق في الأمم المتحدة.. والعراق ما زال عضواً في هذه المنظمة التي لم تكن عند حسن الظن العراقي، وأن نائبه سيشرف علـى الممثلية في غيابه. كذلك اوضح أن سفره إلى دمشق هو من أجل أن يطمئن على أهله وعائلته ووطنه كون سورية هي البوابة الوحيدة المفتوحة على العراق. وحتى الدموع التي تساقطت من عيني السفير محمد الدوري وهو يتحدث كانت موضع احترام وتقدير مشاهديه، وأنا واحد من هؤلاء، ربما لأننا كلنا في قارب الحزن على الذي ألحقه المعاندون بالعراق. والمعاندون كثيرون منهم الأميركي ومنهم البريطاني ومنهم الكويتي ومنهم المصري ومنهم القطري ومنهم الاردني ومنهم البحريني.. ومنهم المسؤول العراقي الذي لم يساعد على فتح واحدة من النوافذ التي تحول دون العدوان، او على الأقل تنزع من المعتدين مباشرة او من خلال التسهيلات، الحجج التي يتذرعون بها.

في المقابل ايضاً يدعو الى الإعجاب التصرف الذي أقدم عليه اللواء عامر السعدي مستشار الرئيس صدام حسين للشؤون العلمية عندما سلّم نفسه يوم السبت الماضي طوعاً وعن طريق أنسبائه الألمان للسلطة الاميركية التي تحتل بغداد. ونقول أنسباء على أساس أن السعدي متزوج من سيدة ألمانية عاشت مثله أيام العدوان الصعبة. وعندما أورد المتحدث العسكري اسمه في لائحة المطلوب القبض عليهم فإنه أقدم على التصرف الحكيم الذي أقدم عليه حيث حرص على أن يتم ذلك من خلال مرافقة مصور ومندوب شبكة التلفزيون الألمانية «زد. دي. إف» له، وأن يتم تصوير عملية الاستسلام الطوعية وما سيصرح به عن الأسباب التي دعته الى ذلك. وفي التصريح الذي أدلى به في حديقة منزله وقبل أن يقتاده جنديان أميركيان وبعدما ودع زوجته الألمانية قال: «إني أسلّم نفسي لأنني لا أشعر بالذنب في أي شكل من الأشكال»، متهماً الولايات المتحدة بأنها هاجمت العراق من دون مبرر، موضحاً أنه لم يكن عضواً لا في حزب البعث ولا في الاستخبارات العراقية، وأنه يحمل رتبة لواء بفضل الرئيس صدام حسين، منهياً التصريح بعبارة: «أقولها للتاريخ، ليس لدينا شيء من أسلحة الدمار الشامل، ولا أقول ذلك من باب الدفاع عن النظام...». ولا ندري اي انطباع سيكون عليه انطباع وزير الخارجية الأميركي كولن باول عن هذا التصرف الراقي من جانب عامر السعدي، خصوصاً أن جنرال الدبلوماسية الأميركية كان أول من أورد اسم السعدي في الخطاب الذي ألقاه يوم 5 شباط (فبراير) الماضي أمام مجلس الامن واتهمه وقتذاك بالعمل على خداع مفتشي الأمم المتحدة المكلفين نزع أسلحة الدمار الشامل العراقية. كذلك لا ندري أي انطباع سيكون عليه انطباع هانس بليكس رئيس لجنة الأمم المتحدة للمراقبة والتحقيق والتفتيش للأسلحة العراقية «انموفيك»، والدكتور محمد البرادعي المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية عن التصرف اللائق الذي أقدم عليه عامر السعدي مع ملاحظة أن بليكس قال في مقابلة مع صحيفة اسبانية نشرتها يوم 9 نيسان (ابريل) الجاري والذي هو «يوم السقوط» الذي ما زالت الحيرة في شأن ظروفه قائمة: «من المؤكد أن الحرب ضد العراق تم التخطيط لها مسبقاً منذ زمن طويل وأن مسألة أسلحة الدمار الشامل كانت ثانوية وجاءت في المرتبة الرابعة لدى الولايات المتحدة وبريطانيا على لائحة أسباب الحرب، ولذا كان موقف الولايات المتحدة حيال المفتشين يثير الشكوك في بعض الأحيان، وبودّي أن أعرف حقاً إذا كانوا سيعثرون على أسلحة الدمار الشامل».

الثلاثة الذين نشير إليهم كانوا من نجوم المواجهة التي لم تحدث نتيجة إصابة الطرف العراقي بما يشبه الذبحة الصدرية التي تصيب الإنسان فتميته في الحد الاقصى أو تشل قدراته ولسانه في الحد الأدنى. وحتى إشعار آخر وإلى أن يعلن المرجع الرسمي العراقي قبوله بالهزيمة ويعلن الثنائي الأميركي ـ البريطاني الغازي انتصاره، فإن «النظام الصدّامي» هو بين الحالتين اللتين نشير اليهما. والقول بأن الثلاثة نجوم على أساس أن العالم كان يتابعهم أكثر من أي شخصيات عراقية رسمية أخرى. ولقد استمرت المتابعة الى «يوم السقوط»... سقوط عاصمة الرشيد. ثم جاء بعد ذلك موقع الانترنت المدهش للصحاف، ودموع الدوري الصادقة التي ذكّرتنا بدموع مارغريت تاتشر عندما غادرت 10 داوننج ستريت مقر رئاسة الحكومة البريطانية، و«استسلام الشجعان» الذي سجّله من كان يليق به منصب قيادي لو أن الرئيس صدام حسين استوعب الأمور واستدار من لحظة صدور القرار 1441 في اتجاه تحقيق إصلاحات بصيغة الطوارئ تتم على وجه السرعة وتعطي انطباعاً بأن «الحرية» ممكن أن يحصل عليها العراقي من عراقيين خصوصاً ما دامت أسلحة الدمار الشامل غير موجودة.