افتراضات نفطية

TT

قبل بدء العمليات العسكرية في العراق قام العديد من الكتاب والاقتصاديين، ومن يطلق عليهم تجاوزاً لقب خبراء، بتناول وضع البترول في الشرق الأوسط والعالم، وخاصة أسعاره في حال انتصار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها. واليوم وبعد هذا الانتصار عسكرياً في العراق، تعود التعليقات إلى الصحف لتعطي، في كثير من الأحيان وللأسف، عناوين مثيرة، ولكنها في كثير من الأحيان مبالغ فيها ولا تخدم مصلحة الوطن.

وفي اعتقادي أنها ناتجة عن قلة فهم للعوامل السياسية والاقتصادية المؤثرة على السوق البترولية. وتغلب على هذه الآراء العواطف والمشاعر أكثر من الحقيقة والواقع. وكاتب هذه السطور لا يدعي لقب خبير أو اقتصادي رغم السنوات الثلاثين التي قضيتها في المجال البترولي من ألفه إلى يائه بعد تخرجي بتخصص في الاقتصاد, ما يسمح لي بعض الشيء، على ما اعتقد، بالتعليق على بعض الآراء التي تزخر بها الصحف بالنسبة لأسعار البترول على الأقل في الأمدين القصير والمتوسط.

وهنا امثلة على بعض هذه الاراء والتعليق عليها:

(أن غرض الولايات المتحدة الأمريكية من حربها في العراق هو السيطرة على البترول العراقي والعربي).

ان اهتمام أمريكا بالبترول الشرق أوسطي لا يمكن الشك فيه، مثلما هو الحال بالنسبة للدول الأخرى في العالم. ولكن هذا الاهتمام والرغبة في السيطرة لا يرقيان إلى الحاجة إلى حملة عسكرية، إذ أن ما ترجوه أمريكا من بترول العراق والشرق الأوسط من الممكن له أن يتحقق بدون حملة عسكرية تكلف بلايين الدولارات، وذلك لسبب بسيط وهو أن أمريكا أكبر مستهلك ومورد للبترول في العالم، إذ تستهلك 25 في المائة من الاستهلاك العالمي للبترول، منها 2 مليون من الثلاثة مليون برميل يوميا التي ينتجها العراق, وفي سوق يرجح ميزان المشتري فأنها تعتبر المسيطرة على السوق البترولية سعراً وانتاجاً، ولذلك فأنه لا حاجة لها لاحتلال العراق للحصول على ما تحتاجه.

مثال اخر:

(أسعار البترول قد ترتفع إلى 100 دولار للبرميل، وقد تنخفض إلى 10 دولارات)

سيناريو افتراض 100 دولار للبرميل جرى تناوله قبل الحرب، كأحد الاحتمالات من ضمن احتمالات أخرى كثيرة، لم تجذب الاهتمام. وعلى كل حال فقد كان رقما افتراضيا لسيناريو أحداث لم تتحقق، وأما انخفاض الأسعار إلى 10 دولارات فان من يدفعون بهذا الاحتمال يفترضون أن هذه هي رغبة الولايات المتحدة الأمريكية وأن ذلك سيتحقق بزيادة إنتاج العراق بملايين البراميل عن الحوالي ثلاثة مليون برميل المنتجة اليوم.

المشكلة هنا في اعتقادي أن كلا الافتراضين حالفهما الصواب، فبالنسبة لأمريكا، فلا شك في أنها ترغب في الحصول على نفط مخفض السعر لإدارة اقتصادها بتكلفة أقل, وفي نفس الوقت فأنها كسياسة وطنية لا ترغب في زيادة اعتمادها على البترول المستورد لما في ذلك من خطر على أمنها القومي ولكن هذه هي النتيجة الحتمية لانخفاض الأسعار إلى 10 دولارات للبرميل، إذ لن يستطيع الإنتاج الأمريكي المحلي للبترول منافسة هذا السعر وتضطر الحقول النفطية الحالية للتوقف عن الانتاج النفطي من مصادر جديدة في أمريكا إذ ستكون تكلفة إنتاجها أكبر من الدولارات العشر المفترضة.

طبعاً ما ورد أعلاه يفترض أن البترول العراقي سيغرق الأسواق وهو أمر ليس فقط ضد مصلحة العراق والدول المنتجة والدول المستهلكة بما فيهم أمريكا وانما هو أيضا غير ممكن فنيا، في الأمدين القصير والمتوسط رغم ما للعراق من احتياطيات ضخمة تأتي في المقام الثاني بعد المملكة العربية السعودية وذلك لحقائق فنية ومالية بسيطة، إذ أن عملية تطوير الحقول النفطية لتكون منتجة لا يتم بين ليلة وضحاها، ويستغرق سنين عديدة من التخطيط والتنفيذ حتى مع توفر الكفاءة الفنية والقدرة المالية.

ايضا القول بان (أوبك في طريقها إلى الزوال)

إن أوبك في الأساس مكونة من مبنى وموظفين مثلما هو الحال بالنسبة للأمم المتحدة والقرارات المتخذة في المنظمتين هي تلك التي يتخذها الأعضاء فيهما وتخرج إلى الملأ وكأنها صادرة من المنظمتين رغم صحة ذلك إلى حد كبير.

ومن يفترضون زوال الأوبك يفترضون خطأ قيامها بدور في الأساس لم تقم به مثل تحديد الأسعار والإنتاج إذ ان تحديد الأسعار يتم في السوق الحرة وللمحافظة على مستوى أسعار معين يتفق الأعضاء على مستوى إنتاج معين بعد الأخذ بعين الاعتبار حالة العرض والطلب في السوق الحرة التي تعكس إلى حد كبير حالة الاقتصاد العالمي وبالتالي فان دور أوبك الإعلامي المضخم لا يعكس الدور الحقيقي لأعضاء الأوبك وخاصة الدول المحورية مثل المملكة العربية السعودية وحقيقة أن العراق رغم مهاترات قيادته السابقة لم تكن الخط الفاصل في قرارات الأوبك. مما يدعونا للتساؤل من المستفيد من غياب الاوبك إذ لو لم تكن هناك أوبك لدعت الحاجة إلى ايجادها لأنها مركز تجمع لمحاولة التوصل إلى قرارات صائبة بالنسبة لمنتج استراتيجي لا يمكن أن يترك أمره في أيدي السماسرة والشركات فقط.

* رجل أعمال وكاتب سعودي