أميركا... الشرق أوسطية

TT

في يوم ، لم يعد بعيدا، سوف يضطر المراقبون السياسيون الى تأريخ سيرة ادارة الرئيس الاميركي جورج بوش في البيت الابيض انطلاقا من مفصلين زمنين: «ما قبل الاحتلال» و«ما بعد الاحتلال» ـ احتلال العراق طبعا.

قبل احتلال العراق كانت الولايات المتحدة دولة غربية تحارب الارهاب ـ وان بشكل انتقائي ـ وتلاحقه اينما كان. وبعد احتلال العراق اصبحت الولايات المتحدة دولة شرق اوسطية «مارقة» ترعى الارهاب ـ وان بشكل انتقائي ايضا ـ وتدعمه كيفما كان.

بين ليلة وضحاها اسقط جيش الاحتلال الاميركي منظمة «مجاهدي خلق» الايرانية المسلحة من لائحة المنظمات «الارهابية» وسمح لها بالاحتفاظ بكامل اسلحتها (عدة الارهاب في المفهوم الاميركي) والاهم من ذلك، سمح لها بمواصلة حربها ضد النظام الايراني انطلاقا من قواعدها في العراق. وبموازاة ذلك حذرت واشنطن ايران، علنا، من انها لن تتهاون مع «اي تدخل خارجي» في شؤون العراق حتى ولو كان في اطار العلاقة الشيعية بين شعبي البلدين.

سبحان مغيّر الاحوال.

الولايات المتحدة تحذر ايران من «التدخل» في العراق وتجيز لنفسها «احتلال» العراق. والولايات المتحدة تحتضن حركة «مجاهدي خلق» ـ التي صنفتها بنفسها منظمة «ارهابية» ـ لانها اكتشفت، فجأة، ان «لا هدف آخر لمعركتها سوىbقلب نظام الملالي في ايران لاقامة ديمقراطية» كما أوضح المتحدث باسم المنظمة في معسكر أشرف في العراق.

أما المتحدث باسم القيادة الاميركية الوسطى، الجنرال فنسنت بروكس، فقد خرج بمثال آخر على ازدواجية المعايير الاميركية في تفسيره احتضان قواته «لمجاهدي خلق» هو أن مقاتليها، وان كانوا يرتدون ثيابا عسكرية، «الا انهم ليسوا في تشكيلات قتالية».

إذن ما هو الفارق بين مقاتلي «مجاهدي خلق» في العراق ومقاتلي «حزب الله» في لبنان أو مقاتلي «حماس» و«الجهاد الاسلامي» في فلسطين؟

هؤلاء ايضا ليسوا في تشكيلات قتالية ميدانية و«لا هدف آخر لمعركتهم» سوى تحرير أرضهم من الاحتلال الاجنبي. وإذا كان الايمان بالديمقراطية عاملاً حقيقياً في اعتراف إدارة بوش بمنظمة ارهابية دون الاخرى، فان التزام «حزب الله» بالديمقراطية ليس مجرد اعلان ـ كما هو الحال مع «مجاهدي خلق» ـ بل فعل ممارسة سياسية تكرس بمشاركة الحزب في الانتخابات النيابية في لبنان وفي تبنيه المستمر لأصول اللعبة البرلمانية فيه.

إذن، الفارق بين منظمات المقاومة العربية (الموسومة بالارهابية) ومنظمة «مجاهدي خلق» الايرانية (التي كانت «إرهابية» لأربعة أيام خلت) ليس في الاسلوب بل في الهدف... وشتان بين هدف يباركه الثنائي دونالد رامسفيلد ـ بول وولفويتز ويدعمه اللوبي الصهيوني في واشنطن، وهدف آخر يعارضانه «بالسليقة».

مع ذلك يجوز الترحيب بتحول الولايات المتحدة من دولة «الرسالة التحضيرية» في العالم الى دولة شرق أوسطية أخرى تتبنى «الارهاب» اسلوبا في عملها السياسي على اعتبار ان هذا التحول سيسهل تعاملها مع العالم العربي أكثر مما سيعقده... فعلى سبيل المثال، قبل ان يقنع وزير الخارجية الاميركي، كولن باول، الرئيس السوري بشار الاسد (في زيارته المرتقبة الى دمشق) بأن «حزب الله» منظمة «إرهابية» لبنانية تدعمها سورية، عليه ان يقنعه أولاً بأن «مجاهدي خلق» ليست منظمة «ارهابية» ايرانية تدعمها الولايات المتحدة، علنا وعلى رؤوس الاشهاد.

وعلى سبيل المثال ايضا بات على باول، بعد تظاهرات كربلاء الدينية ـ السياسية، ان يقنع العالم العربي بأن احتلال العراق عملية «تحرير» و«دمقرطة» لشعبه وليس خدمة أميركية مجانية للأصولية في المنطقة واستطرادا نكسة مستقبلية لما تبقى من توجه ديمقراطي فيها.