الشماتة.. لماذا؟!

TT

«لا هي شماتة ولا هم يحزنون» ففتح الدفاتر العتيقة ضروري لمعرفة من كان يخدع الناس ويضللهم ليقبض، كما كان «المتضامن الاممي» جورج غلوي يقبض بشراهة ونهم، حسب ما كشفته احدى الصحف البريطانية، فالمكاشفة واجبة واظهار حقيقة «فرسان الجمل الثورية» الذين كانوا يقتحمون شاشات الفضائيات، بعيون جاحظة واشداق مزبدة، ليساهموا في جريمة تثبيت صدام حسين في الموقف المكابر الذي كان يقفه، ضرورية حتى لا يتنقل هؤلاء الى حلبة جديدة ليطبلوا لولي نعمة جديد كما طبلوا وزمروا لـ«ام المعارك» و«ام الحواسم» و«القادسية الثانية».

الحديث النبوي الشريف يقول «انصر اخاك ظالما ومظلوما»، وعندما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كيف بالامكان نصر الاخ الظالم، قال عليه الصلاة والسلام «برده عن ظلمة»، فالصادقون المخلصون الذين لا يعرفون غلوي واشكاله كانوا يقولون الحقيقة الموجعة لانهم لا يريدون ان يحصل ما حصل، ولانهم كانوا يعرفون ان نظاما بهذه المواصفات لا يمكن ان ينتصر.

هناك وثائق عن القبض والقبضايات ابدى سفراء عراقيون، اخذوا يتبرأون من صدام حسين ونظامه وتصرفاته وسياساته ومعاركه، استعدادهم لنشرها على الملأ، ونحن بانتظار ان تنشر هذه الوثائق ليعرف العرب في كل اقطارهم كم ان اصحاب الاصوات المرتفعة كانوا كذبة، وكم ان اصواتهم وصحفهم واحزابهم ونقاباتهم كانت مستأجرة على طريقة استئجار فرق الاعراس من قارعي الطبول وضاربي الصنوج والمزغردين.

لا بد من نشر الغسيل الوسخ الان، ولا بد من العودة الى كل ما كتب وقيل عن الازمة العراقية حتى سقوط بغداد، وفرار «القادة» الذين هتف لهم «فرسان الجمل الثورية» حتى بحت حناجرهم كالفئران المذعورة. فالشماتة مهمة وضرورية والمواطن العربي الذي كان مستباحا لهؤلاء وتنظيراتهم وللشاشات التي كانوا يطلون عبرها والصحف التي كانوا يغرقونها بتلفيقاتهم، يجب ان يعرف كل شيء حتى لا ينخدع مرة اخرى، وحتى لا يصدق من الان فصاعدا كل ما يسمعه.

كل هذا الذي جرى في العراق كان متوقعا وكل ما يقال عن ان صدام حسين سيظهر مرة اخرى، ليملأ العراق جورا وظلما اكثر مما ملأه على مدى نحو ثلاثين عاما ونيف، استمرار لحملات الخداع والتزوير التي برع بها قادة الاحزاب الوهمية، واصحاب الصحف المأجورة، وتجار النفط المهرب والادوية الفاسدة، فما فات مات وبدل ان يبقى العراقيون والعرب عموما يشغلون انفسهم بهذه الروايات، التي قيل مثلها واكثر منها بعد مقتل عبد الكريم قاسم، عليهم ان يركزوا اهتمامهم الان على مستقبل العراق، وهو مستقبل لا يزال في رحم الغيب وتحدق به اخطار كثيرة.

لو ان صدام حسين قادر على المقاومة لقاوم قبل خراب البصرة ومعها بغداد، ولو ان الذين يروجون مثل هذه الروايات الخيالية لديهم الحد الادنى من المصداقية، لتحقق بعض ما كانوا قالوه عندما كانوا يطلون على الناس، عبر شاشات الفضائيات، بوجوه مكفهرة، وعيون جاحظة، وحزن كاذب، وحماسة مفتعلة، ليبشروا بنصر مؤزر وبـ«يا محلى النصر بعون الله»!

الان يجب ان يراجع كل كاتب ما كتبه وكل من دأب على الاطلال على الناس عبر الشاشات الفضية ما قاله.. والان ستظهر الملفات السرية وستسود وجوه كثيرة، وسيعرف المخدعون حقائق الامور، وعلى العراقيين الذين استباحهم «فرسان الجمل الثورية» بالطول والعرض ان يبحثوا في كل زاوية وان ينبشوا في حطام الابنية المنهارة للعثور على الحقائق التي تكشف زيف هؤلاء، وتؤكد ان اقلامهم وان حناجرهم وان عيونهم الجاحظة كانت مأجورة.