ألف يقررون مصير مليونين

TT

هل يجب ان تتقاطع طرق الفلسطينيين حول «خريطة الطريق»؟ نعم. هل من الضروري ان يختلف الفلسطينيون في ما بيينهم ومع غيرهم؟ بالتأكيد. هل يجب ان يبلغ التقاطع والاختلاف درجة التحدي؟ نعم، و.. لا. أولا، دعونا نتفق من نعني هنا بـ«الفلسطينيين». المقصودون هنا هم الذين في مواقع الفعل والتأثير. انهم السادة الأفاضل: رؤساء التنظيمات، الامناء العامون للحركات والجبهات، أعضاء المجلس الثوري أو مجلس الشورى، المجلس العسكري أو اللجنة المركزية في هذا الفصيل أو ذاك. هؤلاء هم الفلسطينيون الذين يحكمون الواقع الفلسطيني على الارض ويتحكمون به. والأرجح ان هؤلاء لا يزيدون عن ألف شخص. ومع كل الاحترام والتقدير والتبجيل لهم، قياديين ومجاهدين ومناضلين، لا بد من تذكيرهم بأنهم ـ في نهاية المطاف ـ ألف شخص يتحكمون في مصير أكثر من مليوني انسان. فهم عمليا أصحاب القرار الفعلي على الأرض، أما الاخرون فهم يعجنون ويخبزون لأنفسهم! لهؤلاء الألف نقول: اختلفوا ما شاء لكم الاختلاف، بشرط ان يكون اختلافكم رحمة لشعبكم، لا نقمة عليه. فالذين يدفعون الثمن في النهاية هم الذين تقصف «الميركافا» أعمارهم في حواري الشجاعية.. وفي أزقة خان يونس ورفح، بين مجاري دير البلح والمغازي ومخيم بلاطة.. وعند ابواب الحرم الابراهيمي، في شوارع القدس العتيقة.. ومستنقعات مخيم الشاطئ وجباليا، حيث البعوض اكثر من البشر.هذه الجموع التي تتصدى لقصف «الميركافا» بصدور نال منها وهن الجوع حتى كادت العظام تخرج منها، تستحق من ألف قيادي فلسطيني وقفة تأمل وتدبر. وقفة مع القلب والضمير. والقلب يجيب قبل العقل احيانا، فاستفتوا قلوبكم واسألوا ضمائركم: ألا تستحق هذه الجموع الصابرة شيئا من صبركم؟! كيف لا؟ ألستم أمناء على شعبكم قبل ان تكونوا أمناء لتنظيماتكم؟ ألا «تؤثرون على انفسكم ولو كان بكم خصاصة»؟ شيء من الايثار هنا ان تقدموا مصلحة شعبكم على برامجكم السياسية. هل هذا مستحيل يحتاج الى معجزة؟ لا، ابدا. ليس ضروريا ان تتطابق الرؤى، ولا المطلوب ان يلغي احدكم الآخر. يكفي ان تصفو النيات، فتلتقي التوجهات وتبقى أبواب الاجتهاد مشرّعة، ويكون التقاطع مشروعا، طالما انه تقاطع رأي ووجهات نظر.. لا تصادم رشاشات وخناجر. هذا الاختلاف ضروري، وهو التحدي الصحي. من حق حماس ان يكون لها موقفها من مجمل مشروع التسوية السياسية، ومن حقها ان تتمسك به، لكن في الوقت نفسه من حق شعبها عليها ان تستمع الى نبضه ومن واجبها ان تستجيب له. الشيء ذاته ينسحب على الجميع، على كل الأجنحة المسلحة والأذرع العسكرية لكل الفصائل. فاذا اقتضت مصلحة الفلسطينيين السير خطوة في اتجاه «خريطة الطريق» وجب على الجميع أن يمشوها معا. ان اعادة النظر ليست جريمة، بل ان القيادات الواثقة من نفسها هي القادرة على الابداع في التفكير.. والتغيير. ليس ثمة ما يعيب في التوصل الى نتيجة مؤداها ان القنابل البشرية أدت غرضها وانتهت مرحلتها، وحان الوقت لمسيرات بشرية تتصدى لدبابات شارون ورشاشاته بقلوب ثابتة كجبال نابلس. خمسة الاف عند اريتز، أربعة الاف امام نتساريم، ثلاثة الاف في باحة الحرم الابراهيمي، ثمانية الاف في باحة الأقصى، عشرون، ثلاثون، اربعون الف فلسطيني يتجمعون يوميا، على مرأى ومسمع العالم كله، مطالبين بحقهم في الحياة بسلام فوق أرضهم. يستطيع الفلسطينيون، اذا اراد قياديوهم، أن يبدعوا في هذا النوع من الجهاد، لكن الأمر يحتاج الى تدخل من الخارج. نعم، انه يحتاج تحديدا الى قرار اسلامي تنظيمي من خارج فلسطين، يعين حركتي حماس والجهاد على اتخاذ خطوة شجاعة كهذه، بحكم التزام الحركتين، ولو معنويا ان لم يكن تنظيميا، بالاطار العام للتيار السياسي الاسلامي. ثم ان اتخاذ قرار كهذا سيلزم الدعاة والمفكرين والكتّاب الممثلين للتيار الاسلامي بالتزام نهج توفيقي، ويحبذ التصالح الفلسطيني ـ الفلسطيني على قاعدة درء المخاطر، بدل نهج تنفيري ينفخ، ولو من غير قصد، في نار الخلاف الفلسطيني ـ الفلسطيني على قاعدة: هؤلاء مفرطون بالحقوق والثوابت ونحن بها متمسكون.ان مصير اكثر من مليوني فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة أمانة ثقيلة في أعناق ألف قيادي، وهؤلاء يحتاجون الكلمة الطيبة والنصيحة الهادئة. فلا تبخلوا بهما، ولا تثقلوا عليهم فوق ما هم مثقلون به.

[email protected]