عراقية وتأخذ ثارها

TT

اتصلت بي السيدة أم علي تناشدني بأن اوجه كتاباً مفتوحاً باسمها إلى الرئيس بوش تنخيه نخوة عربية وتطلب منه ان ينتقم لأبيها مثلما انتقم هو لأبيه جورج بوش الأكبر. تقول ان صدام حسين سجن والدها عشر سنوات بدون اي سبب سوى ابعاده عن الميدان. أخذت العشر سنوات من الوالد ما أخذته من صحته حتى انتقل الى جوار ربه بعد أشهر قليلة من الإفراج عنه، تريد الآن أن تثأر لأبيها. ويا ويل من يقع في لهاليب المرأة العراقية عندما تغضب. تطالب الرئيس بوش ان يضع كل هؤلاء المجرمين من صدام وزمرته في اقفاص حديدية تدور بها الحمير في شوارع بغداد لتلاحقهم أم علي ولترشقهم بالحجارة والاوساخ والبيض الفاسد والروث.

سمعنا واطعنا يا أم علي؟ وها أنا اوجه طلبك للرئيس بوش وكلي أمل ان يستجيب لك. لا مشكلة هنا. ولكن المشكلة هل ستقبل الحمير في ان تحمل على ظهرها وتدنس نفسها بهؤلاء العلوج والطراطير الأوباش؟

سيدة اخرى من السودان هذه المرة. تحاسبني الاخت بشرى احمد الأمين بشأن دعوتي وايضا دعوة ايضاً السيد الصادق المهدي لاعتماد الوسائل السلمية للنضال، او ما سماه الغربيون باللاعنف ونسميه نحن المسلمين بالجهاد المدني. تقول هذا اسلوب مثالي غير عملي يصلح مع خصم متمدن كبريطانيا فنجح به غاندي في الهند. ولكن الجهاد المدني يصبح عقيماً عندما يستعمل خصمك السلاح فيفرض عليك الرد بالمثل.

ما تقوله الاخت الفاضلة هو النقد الكلاسيكي للاعنف.

اللاعنفيون فصيلتان. فصيلة تلتزم به من منطلق ديني او روحي او انساني. الفصيلة الثانية تلتزم به من منطلق عملي فتجده اكثر فاعلية على المدى البعيد من السلاح. انا من هؤلاء. او مما قاله غاندي ايضاً، اذا تعذر استعمال اللاعنف، فالأفضل ان نستعمل العنف من ان نقف مكتوفي الايدي امام الشر. هذا ما جعلني اؤيد الحرب ضد نظام صدام رغم كل كرهي ومعارضتي للحرب. ففي هذه الحالة لم تتوفر اي وسيلة لاعنفية لمقارعته. وهذا ليس لأن اللاعنف لا ينفع وانما لأن الشعب والقيادات لم تتبن اللاعنف كبرنامج موسع وتتدرب على اسلحته العديدة.

اللاعنف سلاح، وكأي سلاح يتطلب تكتيكاً واستراتيجية وبرمجة وتدريباً متواصلاً. لا ينجح اي سلاح بدون تدريب كاف واستعماله في اطار خطة مرسومة. ينطبق نفس الشيء على اسلحة اللاعنف هناك مثلاً 36 نوعاً من المظاهرات لكل منها تقنيتها. يقال مثل ذلك عن العصيان المدني واللاتعاون والمقاطعة والاضراب والعرقلة والتخريب المدني والحرب النفسية والصيام والعذاب والاعتصام وهلمجرا. هذا موضوع عالجته في كتابين «نحو اللاعنف». و«دليل المواطن للجهاد المدني». لو تبنينا برنامج اللاعنف ودربنا انفسنا وجماهيرنا عليه، لاستطعنا به دحر أي نظام دكتاتوري ولحصلنا من اسرائيل على ما لم ولن نحصل عليه بالسلاح. وبعين الوقت لاستطعنا صيانة ارواح الابرياء والممتلكات والثروات ومهدنا الطريق للعيش في اطار السلام والديمقراطية فلا ينجح الجهاد المدني بدون ايمان راسخ لقوة الشعب وحكم الشعب.