السيارات ذات الستائر السوداء

TT

قد يبدو الموضوع الذي أتناوله اليوم يتعلق بمصر، ولكنه في الواقع يصلح كنموذج للتدليل على مهارة استفزاز المواطنين ـ الذين أنا وأنت منهم ـ في معظم أو كل مجتمعاتنا. ولندخل في الموضوع.

نشرت «الشرق الأوسط» وعدد من الصحف المصرية والعربية تصريحات نسبت إلى اللواء أحمد ضياء مساعد وزير الداخلية المصري نفى فيها بقطع اغلاق المرور عند سير مواكب المسؤولين، وأن الشرطة لا تقوم بأي تصرفات استفزازية، ويستطرد السيد اللواء قائلاً «لكن إذا حدث سلوك شبيه فإنها تكون مجرد تصرفات فردية» ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يضيف أن المرور مشكلة سلوكية وكل منا يعد سبباً مباشراً في هذه المشكلة.

ما سبق نموذج لتلك التصريحات أو لذلك الأسلوب في التعامل مع الجماهير ـ أو المواطنين ـ من قبل اداراتهم أو وزاراتهم أو نظمهم، وهو ذلك الأسلوب الذي لا يكتفي بمعاناة أولئك المواطنين من موقف أو وضع ما وتركهم في حالهم يعانون، بل يصل بهم إلى مستوى آخر هو نفي المعاناة، وتكذيب الحالة، والقاء التهم علينا ـ نحن المواطنين ـ بأننا لا ندرك ما نراه، وان كان هناك خللاً فنحن المسؤولون عنه. ويذكرني هذا بالمشهد الكوميدي الشهير ـ لا أذكر أين ـ أو تلك النكتة التي تنتهي باعتذار ركاب السيارة لسائقها الجاهل بأصول القيادة ولكنه يملك مقومات عضلية كافية لردعهم بأن العيب ليس فيه ولكنه فيهم لأنهم الذين لا يعرفون كيف يركبون السيارة.

أؤكد للسيد اللواء ـ وأظن أن معي كثيرين ـ بأن المرور يتوقف عند مرور مواكب السادة راكبي العربات ذات الستائر السوداء والمصحوبة بسيارات الحراسة، وان هذا واجهته بنفسي على الأقل في منطقة المهندسين حيث يسكن رئيس الوزراء ووزير الداخلية، وجاردن سيتي، وسط القاهرة حيث يقطن رئيس مجلس الشعب ووزير شؤون مجلس الشعب ولا أدري من آخر، وأظن أيضاً أن ممارسات وتجاوزات سيارات الحراسة المصاحبة لمواكب ذوي السيارات السوداء في حاجة إلى وقفة ومحاسبة.

قد يكون ذلك مفهوماً بشكل نسبي ـ ولكن غير مقبول ـ تعطيل حركة المرور وقت مواكب الرؤساء بشكل محدود ومدروس، ولكن ليس مفهوماً ـ وبالطبع ولا مقبولاً ـ أن تتجمد الحركة بشكل كلي وتعسفي لموكب قد يتحرك الآن أو بعد ساعة.

المسألة هنا ليست متعلقة بهذا الخبر على وجه التحديد، ولكنه ـ كما قلت ـ نموذج لمهارة الاستفزاز التي أصبح قطاع لا بأس به من مسؤولينا العرب يتقنونها في تعاملهم معنا ـ نحن المواطنين ـ المتهمين دائماً بعدم حسن السير والسلوك.

مرة أخرى ليست القضية هنا قضية تعطيل المرور، ولكنها أكبر من ذلك، أعتقد أن القضية هنا هي أسلوب التعاطي مع المشكلات التي تواجهها المجتمعات العربية كلها، وطريقة تعاطي المسؤولين عن هذه المشكلات ـ بالتسبب فيها أو حلها ـ وهي الطريقة التي تتسم بقدر واضح من غياب الحس السياسي.

تحدثت من قبل عن الذكاء السياسي في التعامل مع مشكلات الوطن وهموم الناس، ولو لم يكن الذكاء سمة في التعامل فإن الهوة لا شك آخذة في الاتساع بين الناس وحكامهم.

[email protected]