مساعي واشنطن للهيمنة تحتاج إلى عقلنة

TT

فكرة أن الولايات المتحدة أمة لا استغناء عنها، والتي تحاول الادارة الأمريكية الحالية ترسيخها، قوبلت بمقاومة خارج وداخل الولايات المتحدة ذاتها. الأمر الذي يعني أن واشنطن سوف تجد صعوبات كبيرة في تأمين هيمنتها وسيطرتها على العالم. وبدلا من الاصرار على تلك الفكرة والاستمرار في ذلك الطريق المحكوم عليه بالفشل مسبقا، على الولايات المتحدة أن تعمل على خلق مؤسسات عالمية قوية تمنع أي دولة ما من اكتساب قوة زائدة عن الحد.

لقد انهارت عصبة الأمم بسبب فشلها في منع حرب عالمية ثانية، ومن بعد فشل جيوش هتلر وهيروهيتو، ظهرت الحاجة الى منظمة عالمية مرة أخرى، فكانت الأمم المتحدة لكي تكون أداة لكبح جماح الدول عند اللزوم. ورغم النجاحات العديدة والكبيرة التي تحققت على المستوى الانساني لهذه المنظمة، الا أنها فشلت في أن تكون أداة لحساب الدول الكبرى. ويرجع ذلك بدرجة كبيرة لافتقارها للامكانيات العسكرية والاقتصادية الكافية. فكثيرا ما تجاهلت الدول الكبرى قرارات الأمم المتحدة.

ونشأ في واقع الأمر ميزان للقوى هش من واقع التنافس بين القطبين الاتحاد السوفياتي سابقا والولايات المتحدة.

ومع انهيار الاتحاد السوفياتي كانت فترة الاختبار الحقيقية للأمم المتحدة، ولقد حققت فيها عددا من النجاحات، منها، على سبيل المثال، اخراج القوات العراقية من الكويت، الا أنها فشلت، على سبيل المثال أيضا، في التدخل في النزاعات المسلحة في أفريقيا ومنها رواندا.

الا أن أكبر عجز منيت به المنظمة الدولية كان في 2003، عندما عجزت عن منع الهجوم على العراق. ربما ظهر عجزها هنا أكثر من حالة اسرائيل عند اعادة احتلال الأراضي الفلسطينية، والسبب هو أن الدولة الخارجة عن القانون هذه المرة هي الولايات المتحدة، التي تصور نفسها للعالم حامية للمبادئ التي قامت عليها الأمم المتحدة. انها الآن، على أتم استعداد لخرق القانون الدولي الذي كان لها، هي نفسها، الدور الأكبر في تشكيله. وبهذا التصرف لم تضعف الولايات المتحدة الأمم المتحدة وحسب، بل انها ساهمت بصورة غير مباشرة في تقليل التعاون الدولي، ورفعت من احتمالات العنف الاقليمي. وهي كلها آثار لم تظهر بعد، انما هي في طريقها للظهور، حيث ستعمل الدول الأخرى على اعادة تقييم مصالحها ثم تقرر كيف يمكن لها أن تغير من سياستها على المستوى الوطني، تقلل، في الغالب، من التركيز على التعاون الدولي، وتزيد من تركيزها على تحقيق أهدافها الوطنية البحتة. وستجد أنها مضطرة أن تأخذ أفعالا من جانب واحد لتؤمن مصالحها.

ان تجاهل اميركا للأمم المتحدة سيكون له، بالتأكيد، ردود فعل سلبية على امتداد العالم. وسوف تدرك الدول الأخرى أنها اذا لم تكن قادرة على استخدام الأمم المتحدة للحد من قوة وهيمنة الولايات المتحدة، فانه يتعين عليها اللجوء لوسائل أخرى، حتى ولوكانت مزيدا من الانفاق العسكري لجعل الخيارات العسكرية متاحة أمامها.

باستطاعة الولايات المتحدة أن تصلح من الضرر الذي وقع على الأمم المتحدة، اذا ما أكدت ادارة الرئيس بوش، بالفعل وليس بالقول، على أن هناك حاجة للأمم المتحدة في اعادة بناء العراق، بل وفي خلق حكومة عراقية جديدة.

فمن الناحية السياسية، من الممكن أن تدفع اميركا بقوة حفظ سلام دولية تنتشر في كل العراق، مبرهنة بذلك للشعب العراقي، أنها جاءت لتحريره وليس لاستعماره. ومثل هذا الفعل من جانب واشنطن، يثبت أنها استعادت ايمانها التقليدي بدور الأمم المتحدة كقوة فعالة في النظام العالمي. بل انني أذهب في ذلك الاتجاه الى مداه وأقول، ان تعزيز الأمم المتحدة من قبل الولايات المتحدة سوف يحمي مصالحها الطويلة المدى. صحيح أن اميركا تستطيع أن تحقق مصالحها بتقويض الأمم المتحدة، لكن ذلك ممكن على المدى القصير فقط، لان اضعاف الأمم المتحدة يفقد اميركا قوة الجذب التي تحتاجها لتصبح قوة عالمية مهيمنة، ويجعل الدول الأخرى تشعر بضعفها ويدفعها الى تحديها. ومع التسليم بأن كل قوة عظمى لا بد وأن تنتهي، وأن يتضاءل تفوقها ونفوذها مع الوقت، فان تأمين المصالح الطويلة المدى للولايات المتحدة يتطلب منها أن تعمل على تعزيز الأمم المتحدة، أو أن تخلق نظاما عالميا جديدا يكون قادرا على السيطرة على الدول الأعضاء به بفاعلية. ان ذلك قد يضر ببعض مصالح الولايات المتحدة قصيرة المدى، الا أنه هوالطريق الذي يحمي الولايات المتحدة ودول العالم من الدخول في مواجهات عسكرية.

* خبيرة في شؤون الأمم المتحدة