«رب ضارةٍ نافعة»

TT

اجوبة لا عدَ ولا حصرَ لها بالامكان ايرادها ردا على سؤال: «ماذا بعد صدام حسين». ولعل اهم هذه الاجوبة على الاطلاق هو السؤال المستنبط من السؤال السابق والقائل: «هل ان اميركا يا ترى من الممكن ان تتغير بعد ان حققت هذا الانتصار الرخيص واطاحت نظام صدام حسين وباتت تحتل العراق من اقصاه الى اقصاه»؟.

اذا اخذنا الامور بظواهرها وصدقنا وعود وتأكيدات الرئيس الاميركي بأنه عاقد العزم على انهاء الصراع في الشرق الاوسط وانه ملتزم باقامة دولة فلسطينية الى جانب الدولة الاسرائيلية فإنه بالامكان القول: «ربَّ ضارةٍ نافعة» وانه بالامكان الذهاب بعيدا في التوقعات وانتظار علاقات عربية ـ اميركية غير العلاقات السابقة التي بقيت متوترة لأكثر من نصف قرن.

لا توجد بين العرب والولايات المتحدة الاميركية مشكلة حقيقية وفعلية الا المشكلة الفلسطينية، حيث بقي الانحياز الاميركي الى اكثر السياسات والمواقف الاسرائيلية يمينية وتطرفا فجا ومتحديا وظالما. ولقد كان بالامكان تفهم هذا الانحياز الاعمى في حقبة الحرب الباردة وصراع المعسكرات، اما بعد ذلك فانه شيء طبيعي اعتبار الولايات المتحدة دولة معادية للمشاعر العربية ومتحدية لها.

لكن الآن فإن هناك مؤشرات واعدة وهناك ملامح تحول تاريخي في الموقف الاميركي تجاه ازمة الشرق الاوسط بكل ابعادها وعلى كافة المسارات، ولذلك فإنه حَوَل سياسي ان يواجه العرب هذه المؤشرات بالسلبية التي قرأناها في بيانات بعض التنظيمات الفلسطينية والعربية وسمعناها في تصريحات بعض المسؤولين الفلسطينيين والعرب.

المثل يقول: «اتبع الفشار حتى باب الدار» ولذلك ورغم ان كل المعطيات لا تدل على ان الاميركيين غير جادين او ان كل ما يقولونه هو مجرد كذب وتكاذب فإنه لا بد من اعطاء هذا التحرك الفرصة التي يحتاجها وانه لا بد من الاستفادة من حاجة الولايات المتحدة لاطفاء بؤر التوتر لدفع السياسة الاميركية خطوة الى الامام بالنسبة للقضية الفلسطينية.

لقد تغير العالم بأسره مع مطلع الالفية الثالثة ولقد تكرس هذا الانتصار الاميركي الرخيص كحقيقة قائمة اذعنت اليها حتى الدول «المشاغبة» كفرنسا والمانيا وروسيا، ولهذا فإن العرب سيرتكبون نفس حماقة الرئيس العراقي المخلوع ان هم بقوا يعملون ويتصرفون وفقا لمفاهيم الحرب الباردة وان هم لم يبادروا الى الاقتراب من الولايات المتحدة شبرا ان هي اقتربت منهم فترا.

كل هذا الكلام الانشائي الذي نقرأه في بيانات التنظيمات والاحزاب العدمية والذي نسمعه في تصريحات القادة الذين ساهموا في تضليل صدام حسين يجب عدم الاخذ به، ولذلك واذا كانت الولايات المتحدة تظهر كل هذا الاصرار على ايجاد حل للقضية الفلسطينية باقامة دولة مستقلة للفلسطينيين الى جانب الدولة الاسرائيلية فإنه على الفلسطينيين اولا وعلى العرب ثانيا ان يتعاملوا مع هذا الامر بكل ايجابية وانه عليهم ان يعززوا قناعات الاميركيين بأن مصالحهم في هذه المنطقة الحيوية تقتضي وضع حد للتطرف الاسرائيلي واملاء حل يحقق للاسرائيليين الامن الذي ينشدونه وللفلسطينيين الحقوق التي يطالبون بها.

عندما تكون الولايات المتحدة قد وصلت الى كل هذا التفوق على اكبر الرؤوس في العالم كله فإنه انتحار ما بعده انتحار ان تبقى بعض الاطراف الفلسطينية والعربية تلوك وتمضغ نفس الشعارات الفارغة السابقة التي لاكها ومضغها صدام حسين الى ان وصل واوصل العراق معه الى ما وصل اليه، وهنا واذا كانت دول بحجم الصين وفرنسا غير قادرة على مواجهة التفوق الاميركي فهل ان المطلوب من المحاصرين في غزة ورام الله ان يمرغوا انف هذه الدولة الجبارة في التراب؟!