خارطة الطريق والمستقبل

TT

القرار الإيجابي الوحيد الذي اتخذته حكومة إسرائيل منذ سنوات، هو قرار الموافقة على خطة خارطة الطريق، وهي الخطة التي وصفها شيمعون بيريس بأنها «الوثيقة الدولية الوحيدة التي حظيت بدعم الولايات المتحدة والسلطة الفلسطينية وغالبية الجمهور الإسرائيلي والعالم كله». وسيلي هذه الموافقة لقاء بين أرييل شارون ومحمود عباس، وربما لقاء ثان بين شارون وعباس والرئيس الأميركي جورج بوش في شرم الشيخ، ومن شأن هذين اللقاءين أن يشكلا دفعا قويا باتجاه وضع خارطة الطريق موضع التطبيق، إذا كانت هناك نية فعلية لدفع الأمور بهذا الاتجاه.

ولا بد أن يكون واضحا هنا، أن إقدام إسرائيل على إعلان هذه الموافقة لم يكن منة منها ولا تفضلا، فهي واجهت ثلاثة متاعب أساسية دفعتها نحو هذا الموقف. أولها أن الجيش الإسرائيلي فشل مرات متلاحقة في كسر مقاومة الشعب الفلسطيني للاحتلال، وانهزم الرأي الذي يقول إن أمن إسرائيل يمكن أن يتحقق من خلال القوة فقط. وثانيها أن الاقتصاد الإسرائيلي واجه بسبب الانتفاضة الفلسطينية أزمة ملحوظة اعترف بها رئيس الوزراء حين قال، «إن من يريد الخروج من الأوضاع الاقتصادية الصعبة يجب عليه أن يوافق على خارطة الطريق». وثالثها الضغط العالمي الواسع الذي تعرضت له إسرائيل ووضعها أمام خيار العزلة إذا هي لم توافق على الخطة. وهنا فإن الضغط الأميركي كان له دوره البارز في تحرك الموقف الإسرائيلي، عبر دبلوماسية تقديم الضمانات.

إن هذه النقاط الثلاث تفترض توجه حكومة إسرائيل نحو تنفيذ الخطة بروح إيجابية، ولكن مخاوف كثيرة تبرز هنا من خلال سعي إسرائيل لربط موقفها بقرارات وشروط، فهي تريد تنحية المبادرة العربية بما تعنيه من انسحاب إلى حدود 1967. وهي تريد شطب حق العودة. وهي تريد تكريس السيطرة على القدس، ثم تدعو بعد ذلك للتفاوض. ان الإقدام على التفاوض من خلال هذه الشروط يعني تفشيل أي مفاوضات قبل أن تبدأ، وعلى إسرائيل هنا أن تراجع موقفها، وأن تعترف بالأسس التي قام عليها مؤتمر مدريد، ومبدأ الأرض مقابل السلام، والقرار 242 الذي نص على حل عادل لقضية اللاجئين، ولم ينص على أن قضيتهم تحل بالدولة الفلسطينية وحدها. وهنا تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية بارزة في وضع إسرائيل في إطار المجتمع الدولي، وفي إطار القانون الدولي، وفي إطار الاحتكام للمنطق في التفاوض وليس لأسلوب فرض الشروط.

لقد توضحت الآن صورة لموقف فلسطيني إيجابي، مقابل صورة إسرائيلية شديدة التطرف عبرت عنها مناقشات الحكومة وبيانات الأحزاب وتصريحات الزعماء. وعلى قاعدة هذه الصورة، آن الأوان أن تكف إسرائيل عن منهج اتهام الفلسطينيين بالتطرف والتقصير والتأخر في اتخاذ القرارات، فقد أظهر الفلسطينيون، سلطة ومعارضة، أنهم أكثر موضوعية وأكثر إحساسا بالمسؤولية من حكومة وأحزاب ووزراء إسرائيل.