حرب حتمية وإن كانت غير وشيكة

TT

التهديدات التي تنهال على سوريا من قبل كبار المسؤولين الاميركيين لافتة للنظر. لكن اخطر التهديدات هي التي صدرت عن كبار المسؤولين الاسرائيليين وعلى رأسهم أرئيل شارون الذي نعت الرئيس السوري بالخطير وعدم قدرته على استيعاب دروس حرب العراق.

بدأ الحملة بول فولفوفيتس نائب رامسفيلد وزير الدفاع الاميركي ـ وذلك انسجاما مع الخطة التي كان قد وضعها، اثناء حكم نتنياهو لتوجيه ضربة للعراق، واعادة ترتيب المنطقة بالشكل الذي يضمن: بقاء اسرائيل متفوقة على كافة دول المنطقة عسكريا، باحتفاظها بكافة اسلحة الدمار الشامل التي تملكها. مكافأة اسرائيل بنيل حصة لا بأس بها من ثروات المنطقة للتخفيف من العبء الذي تشكله المساعدات الاميركية لاسرائيل على الخزينة الاميركية. ضمان خضوع كافة الانظمة التي غيرت بالقوة او تلك التي خضعت لخطاب التهديد الاميركي «باكت امريكانا الشرق اوسطي» MIDDLE EAST PACT AMERICANA اي اخضاع منطقة الشرق الاوسط بأسرها، بثرواتها الطبيعية (خاصة النفط) وانظمتها السياسية وشعوبها، لارادة وقرارات الادارة الاميركية، مما يتيح في الوقت ذاته لاسرائيل بأن تجني جزءا من غنائم هذا الغزو الاميركي (وبشكل خاص تفعيل ضخ النفط العراقي عبر خط IPC الذي انشأه الاستعمار البريطاني قبل عام 1948، والذي يضخ النفط من الآبار العراقية في شمال العراق لميناء حيفا. ويتيح له كذلك حرية التغلغل في اسواق الشرق الاوسط (ضمن حصة محددة) تحت حماية العلم الاميركي. لكن هذه التهديدات والانذارات (حسب اعتقادي) لن تؤدي الى حرب وشيكة تشنها الولايات المتحدة على سوريا. وان كانت الخطط المعدة من قبل رامسفيلد وشركائه جاهزة للتنفيذ. وهذا لا يعني ان الولايات المتحدة لن تشن حربا على سوريا وبعدها ايران، بل يعني ان هذه الحرب لن تشن الآن وليست وشيكة. فالادارة الاميركية تسعى في هذه الفترة لاستغلال ما جرى في العراق من انهيار تحت ملايين الاطنان من القنابل للسيطرة على بلدان الشرق الاوسط بدون خسائر، اي ابتزاز الانظمة للخضوع لارادة الولايات المتحدة من دون حرب. استنادا لنتائج الحرب التي شنتها واشنطن على بغداد. ولذلك أرى ان الادارة الاميركية ستبدأ مع سوريا وايران بمطالبتهما بتنفيذ شروط محددة في ظل تسليط سيف القوة على رقاب السوريين والايرانيين. والاتهامات التي وجهتها الادارة الاميركية ونقلها رئيس وزراء بريطانيا للقيادة السورية (وأكدها جاك سترو للسعوديين والسوريين) هي التالية:

ـ ارسال متطوعين سوريين الى العراق ودول عربية أخرى لمقاتلة جنود التحالف الاميركي البريطاني.

ـ الدعوة الى تنفيذ عمليات انتحارية ضد هذه القوات بالذات، وارسال معدات حربية (مناظير للرؤية الليلية) الى العراق.

ـ توفير الملجأ لقادة في نظام الرئيس صدام حسين المنهار.

ـ تخزين الترسانة غير الشرعية للعراقيين والتي لم تتمكن القوات الاميركية والبريطانية من العثور عليها حتى الآن في العراق بالذات.

ـ توفير الملجأ لعلماء عراقيين صمموا برامج الابحاث والتطوير لاسلحة الدمار الشامل العائدة لنظام صدام حسين والذين يمكنهم الاسهام ببرامج مماثلة في سوريا.

وهناك اتهامات وانتقادات اقدم من هذه بكثير ووجهت مجددا الى سوريا التي صنفتها وزارة الخارجية الاميركية منذ سنوات على انها «راعية للارهاب الدولي»:

ـ تطوير اسلحة كيميائية وبيولوجية وصواريخ أرض ـ أرض.

ـ دعم حركتي حماس والجهاد الاسلامي الفلسطينيتين بالاضافة الى حزب الله اللبناني، وقد وصفت جميعها بأنها «ارهابية» من قبل وزارة الخارجية الاميركية.

أما الشروط التي تطالب واشنطن دمشق بقبولها فهي نابعة من هذه الاتهامات. فواشنطن طالبت دمشق بتسليم كل القيادات العراقية التي دخلت الاراضي السورية. وتطالب سوريا بالموافقة على تفتيش دقيق على اسلحة الدمار الشامل.

أما الطلبات الملحة فهي وقف كامل لأي تعاون او ايواء لكل من ينتمي الى: حزب الله اللبناني ـ حركة الجهاد الاسلامي الفلسطينية ـ حركة حماس الفلسطينية والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين ـ والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين. استنادا لتقرير قدمته تل ابيب لواشنطن. ويتضمن التقرير الذي سلمه دوف فايسغلاس للسيدة كوندوليزا رايس لائحة بأسماء هؤلاء وعلى رأسهم رمضان شلح زعيم حركة الجهاد الاسلامي الذي يحمل الجنسية الاميركية وكان من سكان ولاية فلوريدا سابقا.

ومن جهة أخرى فإن الولايات المتحدة تشترط على سوريا الموافقة على تطبيق برنامج كولن باول لنشر الديمقراطية في الشرق الاوسط. وهذا يعني تخلي حزب البعث عن السلطة والسماح للموالين للغرب بالعمل السياسي والاعلامي من دون قيود، واجراء انتخابات تحت اشراف الولايات المتحدة واعتماد اقتصاد السوق الحر، بما يعنيه ذلك من خصخصة كل المؤسسات التي تدير ثروات البلاد وفتح الاسواق امام البضائع الاميركية من دون قيود.

فمع اقتراب شهر ايلول (سبتمبر) ـ موعد بدء الحملة الانتخابية للرئاسة الاميركية ـ يصبح لزاما على الرئيس بوش، ان اراد ان يعاد انتخابه (وهذا بالفعل ما يسعى اليه) ان يركز جاهدا على استغلال احتلال العراق لضخ قوة جديدة لاقتصاد الولايات المتحدة المتعثر والمتأزم. وكما اعلن الجنرال جاي جارنر الحاكم العسكري للعراق: علينا الا نضيع الوقت لانه في كل يوم يمر بدون ضخ النفط نتكبد ويتكبد العراق خسائر كبيرة. فبوش يريد من خلال عقود اعادة اعمار العراق (الذي دمرته طائراته) والتي تقدر بأكثر من 57 مليار دولار ان يضخ في عروق الشركات الاميركية النفط العراقي لانعاشها، وتسليم عقود انتاج وتسويق النفط العراقي لشركات النفط الاميركية (بعد تطبيق ما سماه بوش خصخصة آبار النفط العراقية التي كانت تملكها الحكومة العراقية فقط). مما سيعني سيطرة شبه كاملة لشركات النفط الاميركية على النفط العراقي (مع فتات للشركات الأخرى) والتحكم بمنظمة الاوبك واخضاع دول النفط الأخرى لارادة شركات النفط الاميركية. وحسبما علم من تقرير اعدته هذه الشركات لنائب الرئيس ديك تشيني ووزير الدفاع رامسفيلد فإن بإمكان الآبار العراقية ان تضخ ضعف ما كان يسمح العراق بضخه. فقد كان العراق حريصا على الحفاظ على ثرواته النفطية وعلى مستوى سعر البرميل انسجاما مع قرارات اوبك. ثم ابرام عقود مع المجمع الصناعي العسكري الاميركي بمليارات الدولارات لاعادة تسليح الجيش العراقي الجديد. ولقد بدأ هذا المخطط بتدمير قوات المارينز كل مخازن الاسلحة (السليمة) والآليات والدبابات والصواريخ والطائرات بحيث يتطلب الوضع ان تزود الشركات الاميركية المنتجة للسلاح «العراق الجديد» اسلحة (حسب ما تراه واشنطن ضروريا) بعشرات المليارات من الدولارات.

العراق لقمة يصعب ابتلاعها، فكيف يتم هضمها؟

الادارة الاميركية تحتاج الى وقت طويل لابتلاع هذه اللقمة الضخمة والى وقت اطول لهضمها.

من هنا نرى ان الادارة الاميركية لن تشن حربا الآن على سوريا رغم انها تحضر لها. وانها ستغرق سريعا في وضعها الداخلي اقتصاديا وانتخابيا.

ولكن هذا لا يعني ان دوائر البنتاغون وعلى رأسها رامسفيلد وبول فولفوفيتس تروج للاجهاز بسرعة على سوريا، وذلك بدعم كامل من الاسرائيليين، لا بل بتحريض منهم. وهذا يشكل مصدرا من مصادر الخلاف والتوتر بين البنتاغون ووزارة الخارجية الاميركية هذه الايام.

يبقى ان نقول انه لا ملاذ للأنظمة العربية الا شعوبها، وان تطلق الديمقراطية وتحترم حقوق الانسان وتسمح بالتعددية السياسية وحرية التعبير عن الرأي، وان تضمن عملية انتخاب ديمقراطية حقيقية.

عندها ستصبح الانظمة اقوى على مواجهة حروب الاستباحة الاميركية والغربية ضد منطقتنا.