الحقه إلى باب داره

TT

مرة اخرى على مفترق. ومرة اخرى هناك طريق لا يعرف احد نهايته ولا متعرجاته. ومرة اخرى ينخرط رئيس اميركا شخصياً في البحث عن حل في الشرق الاوسط، مع ان جورج بوش كان قد اعلن أنه لن يكرر تجربة بيل كلنتون في كامب ديفيد. لكن بوش يدرك، برغم ما هو محاط به من اسلاك شائكة اسرائيلية، انه لن يكون حل في العراق ولا في مصر ولا في افغانستان، من دون الوصول الى حل في فلسطين.

ومشكلة جورج بوش ليست مع العرب. ولا مع حماس. ولا مع فتح. ولا مع ياسر عرفات. مشكلة جورج بوش ومشكلة اسرائيل ايضا، هي مع ارييل شارون. ليس مع ارييل شارون الجزار. ولا مع ارييل شارون الذي يغتال الناس في بيوتها بصواريخ الاباتشي. ولا مع ارييل شارون الذي يغرق ابناه في الفساد المالي الى ما فوق رأسيهما.

مشكلة بوش القادم الى الشرق الاوسط بحثاً عن سرابات الحلول التي تلمع ثم تختفي، هي مع شارون الذي لا يحفظ وعداً يطلقه ولا يحترم كلمة يقولها. ليس وعوده الى العرب بل وعوده الى الاسرائيليين. وقد عددت صحيفة «هآرتز» قبل يومين عشرين مرة قال فيها شارون شيئاً لم يلبث ان تحول الى كذبة كبرى. اولها، او اكبرها، انه قال للاسرائيليين العام 1982 انه سوف يدخل الى لبنان ويخرج خلال 24 ساعة. وقد أمضت اسرائيل هناك 24 عاما.

واحرقت تلك الكذبة مناحم بيغن سياسيا وادخلته الاكتئاب الذي لم يخرج منه الا الى الموت.

مشكلة اسرائيل انها تقدم الى العالم مسؤولين غير جديرين بالثقة. وانها تقحم المناورات والحسابات السياسية الداخلية في قضية الشرق الاوسط، وفي علاقتها مع اميركا التي هي اساس الحل او الفشل في المنطقة. ولذلك تنتقل المساعي الدولية من فشل الى فشل. وتنتقل محاولات اميركا نفسها من ادارة الى ادارة. ولذلك تحترق اصابع الرؤساء الاميركيين الذين يراهنون على الخروج من البيت الابيض وهم يحملون على صدورهم وسام الحل الشرق اوسطي.

تبدو الاشياء في المنطقة ناضجة على الشجرة. فاما ان يؤدي النضوج الى الاهتراء والسقوط واما ان يؤدي الى قطاف ما. لكن ذلك يتطلب قبل اي شيء ان ينظر الى المأساة الكبرى بما تستحقه من جدية. وفي وجود ارييل شارون على رأس السلطة في اسرائيل لا يمكن ان تكون هناك اي جدية او اي مصداقية لاي التزام. واكرر ان ذلك ليس بالنسبة الى العرب وانما بالنسبة الى الاسرائيليين. ولا يجوز ان تعزل الولايات المتحدة ياسر عرفات بحجة المصداقية ثم تفرض ارييل شارون على جميع الفرقاء المعنيين وخلفه سيرة طويلة ومفصلة من الوعود المقطعة وليس الوعود المقطوعة.

يشكل التصويت الاسرائيلي على «خريطة الطريق» عملاً سياسياً مهماً. لكن في ضوء التجارب الماضية لا يشكل ايضاً اكثر من مجرد تصويت آخر. حتى الاتفاقات التي ضمنتها الولايات المتحدة والبيت الابيض ضربت بها اسرائيل عرض الحائط. ورميت في الارشيف تلك الصور عن مصافحة عرفات ورابين. وعناقات ابو عمار مع بيل كلنتون، الذي يتقن الاخذ بالاحضان اكثر من الزعيم الفلسطيني. وقبل ان يقحم جورج بوش نفسه في رهان شخصي على السلام، عليه ان يتأكد من مدى صدق وجدية اصدقائه في اسرائيل، وان يقرأ ما تكتبه الصحف الاسرائيلية عن وعود ارييل شارون.