تقرير تلفزيوني يشبه حكاية عباس بيزة وحسنة ملص!

TT

الليلة هلي ليلة الاحد / الاثنين، وهي اول ليلة لي في الغرفة 1026 في فندق فلسطين (ميرديان) ببغداد، التي انتقلت اليها من الغرفة 1022. ولسبب ما لا يعرض جهاز التلفزيون في هذه الغرفة الا برامج قناتين فضائيتين: «الجزيرة» القطرية و«ال.بي.سي» اللبنانية.

منذ نصف ساعة او اقل، بدأت بكتابة حصة هذا الاسبوع لهذا العمود، مسجلا انطباعاتي ومشاهداتي عن الحياة اليومية في العاصمة العراقية هذه الايام، مقارنة مع ما كانت عليه في الايام الاولى بعد وصولي الى بغداد (سأؤجل نشرها الى الاسبوع المقبل).

تقاطعني قناة «الجزيرة» بتقريرها عن الهجوم بالقنابل اليدوية على مدرعة اميركية ترابط بجوار جامع الامام ابي حنيفة النعمان في حي الاعظمية، وهي مدرعة مررت بها عدة مرات عندما تجولت في الاعظمية، او عبرت الى حي الكاظمية في الجانب الآخر من دجلة، واحتفظت لها بأكثر من صورة التقطتها عندما تغديت ذات يوم في مطعم يطل على الساحة التي يشرف عليها الجامع.

تقرير «الجزيرة» قال بالنص ان: «الهجمات على القوات الاميركية اصبحت سمة من سمات الحياة اليومية في عراق ما بعد صدام». أضحك مستغربا، وأتذكر حكاية ما زال العراقيون يتداولونها ويتناقلونها جيلا بعد جيل. تقول الحكاية ان بعض انصار الزعيم العراقي الراحل عبد الكريم قاسم ارادوا الايقاع بمذيع «صوت العرب» الشهير احمد سعيد، الذي كان يذيع يوميا اخبارا ملفقة وتعليقات هجومية حادة تهدف الى النيل من سمعة قاسم واظهاره في مظهر الحاكم المعزول الذي يعارضه كل الشعب العراقي.

انصار قاسم ارسلوا الى احمد سعيد رسالة قالوا فيها ان عبد الكريم قاسم اعتقل «المناضلين القوميين» عباس بيزة وحسنة ملص. وقد وقع احمد سعيد في الفخ واذاع خبرا عن الاعتقال المزعوم، فأضحك عليه العراقيين الذين يعرفون ان عباس بيزة وحسنة ملص هما اشهر شخصين في زقاق «الصابونجية» بحي الميدان في بغداد، وهو زقاق كان في العهد الملكي مبغىً رسمياً.

تقرير قناة «الجزيرة» مبالغ فيه الى اقصى الحدود، انا هنا منذ 19 يوما جبت خلالها نصف العراق، وزرت عشرات الاماكن والمدن والاحياء، فلم ار ولم يتحدث الي احد عن هجوم شهده بنفسه على القوات الاميركية. وعندما زرت بلدة الفلوجة في الاسبوع الماضي بعد يوم من هجوم لمجموعة من فلول البعثيين على قوة اميركية وجدت البلدة تعيش حياتها الطبيعية، وعبثا حاولت العثور على اثر واضح للهجوم.

سمات الحياة اليومية لعراق ما بعد صدام كثيرة: الفرح بالتحرر من نظام غاشم، الشعور بالالم لعدم اقتران استعادة الحرية باستقرار الوضع الامني وتحسين الوضع المعيشي، التجمعات والمظاهرات الحرة إما للتعبير عن الفرح بالحرية او للاحتجاج على تدهور الاوضاع الامنية والمعيشية.

وبخلاف ما يوحي به تقرير «الجزيرة» فان من سمات الحياة اليومية في عراق ما بعد صدام، اختلاط الجنود الاميركيين مع السكان المحليين، فحيثما يوجد تجمع للقوات الامريكية يتحلق الشبان العراقيون حول الجنود الاميركيين، يتبادلون معهم الاحاديث والنكات. والواقع ان الغالبية العظمى من العراقيين لا تتردد في التعبير عن الامتنان للدور الاميركي - البريطاني في اطاحة نظام صدام. قد لا يعجبنا هذا، لكنه حقيقة قائمة.

للحياة اليومية في عراق ما بعد صدام سمات كثيرة، اقلها شأنا بالتأكيد ما تحدث عنه تقرير القناة القطرية.

[email protected]