موسم المحظيات

TT

لسنا في عصر بني عثمان ولا في قصور المتوكل في بغداد ولا داخل متاهات الحياة الخاصة للمهراجات الهنود ولا في مقر سكن محظيات اباطرة الصين في القرن السابع عشر، بل في واشنطن النصف الثاني من القرن العشرين، ومع ذلك فقد كان هناك نظام مبتكر للحريم لم نعرف عنه الا في منتصف شهر مايو (ايار) حين ضيقت الصحافة الخناق على واحدة من جواري الرئيس الاميركي الاسبق جون كينيدي فاضطرت للاعتراف بأنها كانت من محظيات الرئيس اللواتي يتم استئجارهن تحت مسميات وظيفية مختلفة.

وقد بدأت قصة هذا الكشف المثير حين حصل مؤرخ اميركي يكتب سيرة جديدة للرئيس الاسبق، على وثائق اخفيت بعناية عن اعين الناس، وفيها اعترافات ـ برباره كاماريكيان ـ المساعدة الصحافية للرئيس، التي وظفت (الجارية ميمي) في المكتب الصحافي للبيت الابيض، في حين ان وظيفتها الحقيقية كانت في مخدع الرئيس.

ولم تكن ميمي ـ واسمها الحقيقي ماريون بيردزلي ـ الا واحدة من عشرات المستأجرات لمهمة واحدة هي امتاع الرئيس في حله وترحاله وحفلاته وخلوته. ولو دققت تحت السطح وفوقه فلن تجد لهن غير العمل الجنسي الذي لا يختلف عن عمل اية محظية صينية او جارية تركية او هندية او فتاة جيشا يابانية، ومع ذلك انتقد الاميركيون المولعون بالنفاق الاجتماعي كل تقاليد شعوب الارض في التعامل مع النساء في وقت كانوا يمارسون فيه على اعلى المستويات هذا الاسلوب المستهجن في شراء الاجساد واستغلال النفوذ السياسي لاغراض جنسية!

ان هكذا كشوفات تجعل من الرئيس كلينتون مجرد غر مبتدئ في علاقته مع مونيكا، لكن هذا لا يمنع من ان يكون مع كينيدي الموضوع الاثير لحفلات السمر الصيفية في اميركا حيث يسهر الباحثون عن التسلية والفضائح مع موسم كامل للمحظيات الرئاسيات باقلام العشيقات والزوجات. فأول يونيو (حزيران) صدر كتاب زوجته هيلاري «تاريخ معاش» الذي قبضت ثمنه ثمانية ملايين دولار، والذي ستضطر فيه الى رواية الجانب الذي يخصها من الفترة التي كان فيها زوجها يداعب محظيته ـ ايضا ميمي. وأهم ما في ذلك التاريخ حكاية السيجار الكوبي الذي غطى دخانه على انجازات واحد من ألمع الرؤساء في التاريخ الاميركي.

والمتسرب حتى الان من كتاب هيلاري وهي سيدة بالغة الذكاء وذات طموحات رئاسية يوحي انها ستركزعلى الجانب الانساني من حياة زوجها وعن معاناته مع ام مطلقة وزوج ام سكير، وبذا يخرج امام الناس كضحية ينقصها الحنان، وتظل هي في عيون مؤيديها ومنتقديها كمعالجة نفسية رؤوفة رحيمة لم تترك زوجها المخطئ لانه يحتاج الى علاج لا الى عقوبة!

لقد استهلكت قصة كلينتون ومحظيته مونيكا ولم يعد فيها ما يثير، اما ماريون محظية كينيدي، فما يزال عندها الكثير لتقوله لكنها كما يبدو صعبة المراس وتريد نسيان ذلك التاريخ المشرف المعاش، فزميلاتها في الكنيسة التي تعمل بها في قلب نيويورك يستغربن ان تكون تلك الهادئة المحترمة بطلة لفضيحة المحظيات الرئاسيات الاميركيات، وهي شخصيا اكتفت بعد ضغوط وملاحقات بتأكيد الخبر ببيان مقتضب، ولا احد يدري متى ستنطق وما هو الثمن؟ فعنوان «محظية في كنيسة» يساوي وزنه ذهبا عند الصحافة الشعبية التي تعرف دوما كيف تقنع الساكتات والساكتين.