الانقلاب العسكري أسوأ الحلول السياسية

TT

منذ سنوات والعالم العربي مرتاح من الانقلابات العسكرية. هذه الانقلابات التي بزت بها بعض الجيوش العربية جيوش دول اميركا الجنوبية، التي كانت الانقلابات العسكرية من اختصاصاتها او هواياتها المفضلة. والتاريخ العربي الحديث حافل بالانقلابات العسكرية، منذ الثلاثينات من القرن العشرين، وصولا الى هذه المحاولة الانقلابية الاخيرة في موريتانيا. وبعض الانظمة الحاكمة التي انبثقت عن هذه الانقلابات ما زال قائما، والبعض الآخر ولى. ومنها ما اودى بالوطن الذي حكمه الى نكبات وكوارث، ومنها ما خفف من لونه العسكري وادخل بعض اللمسات المدنية او شبه الديمقراطية على نفسه. ومنها ما لم يدم سوى اشهر او سنوات قليلة، ومنها ما هو مستمر وقائم منذ عشرين او ثلاثين سنة. ولكن ما من حكومة واحدة بين الحكومات التي انبثقت عن انقلاب عسكري، نجحت في تحقيق الشعارات الكبيرة التي رفعتها، وفي مقدمتها تحرير فلسطين وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ان العشرين سنة التي مرت على الحكم القائم في موريتانيا مدة طويلة، والشعوب تحب التغيير، والديمقراطية تدعو الى ذلك. وقد تكون السياسة الواقعية التي اتبعها النظام الموريتاني المنقلب عليه، لا سيما اعترافه باسرائيل، اغضبت قسما من الضباط العقائديين، بالاضافة الى النقمة التي سببتها الاوضاع الاقتصادية المتأزمة، ولكن اسوأ علاج او حل هو القيام بانقلاب عسكري. فالاستيلاء على الحكم بالقوة، خصوصا من قبل الجيش والقوات النظامية اثبتت التجارب والايام فشله، وانه يحمل معه بذور انحرافه آجلا ام عاجلا نحو الديكتاتورية.

ان العالم العربي يمر اليوم بمرحلة من اصعب مراحل تاريخه الحديث. والدعوة الى الديمقراطية والاصلاح والتغيير فيه اصبحت قناعة سائدة في الاوساط الحاكمة والاوساط الشعبية وفي المجتمع الدولي. ومن هنا فان هذه المحاولة الانقلابية العسكرية في موريتانيا، مفاجأة غير مرحب بها، ايا كانت هوية الانقلابيين والمنقلب عليهم، وايا كانت افكارهم او اهدافهم. فلولا الانقلابات العسكرية لكانت الشعوب والدول العربية، بعد نصف قرن من استقلالها افضل حالا بكثير مما هي عليه اليوم.