خطوات أساسية مفقودة على طريق حل القضية الفلسطينية

TT

خارطة الطريق من اعداد اللجنة الرباعية، وقمتا شرم الشيخ والعقبة، وتكاثف سحب الخلاف والحرب الاهلية الفلسطينية، وتفرد شارون بالاستفادة ومحاولة اغتيال الرنتيسي، تتطلب البحث عن العناصر المفقودة في ذلك الحل المطروح.

لقد فرض الرئيس بوش على كل من محمود عباس (ابو مازن) وشارون قول ما قالا في بيانيهما، وحاول الرئيس التعويض عما نقص، وايضاً شرح كلمات كل منهما حسب الفهم الاميركي لتأكيد ذلك الفهم كالتزام. بمعنى اخر الكلام الذي عليه رباط هو ما قاله بوش في بيانه، وهو الذي يستحق المراجعة والاختلاف او التأييد.

لقد غضبت القوى المسلحة الفلسطينية من بيان محمود عباس لانه التزم بوقف المقاومة المسلحة، ووصفها بالارهاب، ولم يتطرق صراحة وببلاغة خطابية للقضايا المركزية. كل ذلك له تبرير منطقي، ولكن لا جدوى من الشرح للشارع الفلسطيني، وخصوصا الان بعد محاولة اغتيال الرنتيسي واصابة العشرات. كذلك شارون لم يقل كل ما يريده فريقه وجمهوره، والتزم باشياء يعارضونها تماماً، مثل الاشارة لدولة فلسطينية، وفك مستوطنات، والتزام بخارطة الطريق حسب رؤية الرئيس بوش.

شارون جند قواه لافهام كل من يعنيه الامر في اسرائيل انه مجبر على مناورة تاريخية ضرورية ليحتفظ بالدعم الاميركي، وانه يريد انتهاز الفرصة لتسعير العداء الاميركي للفلسطينيين واثبات عدم رغبتهم في السلام. ابو مازن حاول فعل ذلك مع القوى الفلسطينية عشية القمتين، واكد على رفض الاقتتال واهمية الحوار وسعى لوقف الشكل المسلح للانتفاضة عبر هدنة تعلنها الفصائل ذاتياً قبل ان تفرض عليها وبدون وقف الانتفاضة السلمية.

الاسرائيليون تفهموا شارون ومنحوه الفرصة مع بعض التظاهر والصخب المفيد لشارون للتملص من الضغوط الخارجية، بل اخذ المديح لبداية تنفيذه ما التزم به. والفصائل الفلسطينية صعدت الخلاف تمهيداً للاقتتال مع الحكومة التي تم تحديها، والطلب منها التراجع عما جاء في قمة العقبة، فكان الرد الاميركي ان تلك الفصائل معادية للسلام، وانه اذا واصلوا عملهم فانهم يهددون فرص قيام الدولة الفلسطينية.

السبب في الاختلاف حول الاستفادة من، ورد الفعل على قمة العقبة، ان الشارع الاسرائيلي اذكى وانشط من الشارع الفلسطيني، ووجود الفارق الشاسع بين نوعية الاحزاب الاسرائيلية والفصائل الفلسطينية. لكن هناك سبباً اخر: شارون مجرب من الاسرائيليين ومواقفه معروفه لهم ويصدقونه بما يعدهم ولو بين السطور ورمشاً بالجفون. اما القيادة الفلسطينية فهي مجربة ايضاً ولكن بكثرة وسهولة التنازلات، وجهل تفاوضي، ورضوخ للضغوط، وتنازل متواصل. اضف لذلك ان سمعة ابو مازن تشمل تنازله عن قضية اللاجئين، واضيف الى ذلك تسلمه للمنصب الجديد مدعماً من واشنطن وضد الرئيس الفلسطيني، حسب فهم العامة. ولم يفسر ابو مازن قبل او بعد القمة رؤيته للحل في شكله النهائي، مما عزز القناعة بوجود صفقة وتخاذل.

ضبابية الحل النهائي سوف تسبب خلافات عميقة داخل الجهات وعبر المنطقة، مما يدفع بالفعل للتساؤل عن سبب تلك الضبابية: هل يراد منها الضحك على ذقون الفلسطينيين ام الاسرائيليين، ام ان واشنطن تريد كسب الوقت باسكات الطرفين؟

القضايا المركزية مثل اللاجئين والحدود والقدس رُحلت للمرحلة النهائية دون الحسم بأنها ستحل على اساس قرارات الامم المتحدة مثلاً. ويعرف الجميع ان الاشارات للقرارين 242 و338 في الخارطة لا تعني الكثير، اذ لا يوجد اتفاق على تفسيرها. الاستنتاج هنا ان واضعي خارطة الطريق يظنون ان المرحلتين الاوليين من الخارطة ستهدأ خلالهما الانفس وتهيأ الظروف بما يؤدي الى حل قضايا المرحلة النهائية بشكل يرضي الطرفين. وهذه فرضية غير منطقية لان التصادم في قضيتي اللاجئين والقدس غير قابل للفك بين الاسرائيليين والفلسطينيين الا بفرض تطبيق قرارات الامم المتحدة. كذلك يستحيل قبول اسرائيل بحل كل المستوطنات والانسحاب من كل الضفة والقطاع والقدس لتكون دولة فلسطينية ذات سيادة تامة، ويستحيل قبول الفلسطينيين بأقل من ذلك بعد ان تنازلوا عن اكثر من ثلاثة ارباع وطنهم الاصلي لليهود.

حتى يتم الحل بسلام فلا مناص من تحديد شكله النهائي سلفاً والتعامل مع كل تفاصيله الجغرافية والسياسية والاقتصادية والامنية والحقوقية، وذلك كون كل من الطرفين متأكداً بوجود مكيدة من الطرف الاخر، هذا بالاضافة الى فقدان الثقة بين الفلسطيني واي من قياداته المفاوضة. وهذا ايضاً يعيدنا الى الحلول القائمة على قرارات الامم المتحدة، سواء كل منها على انفراد او دمجها بقرار موسع يكون افضل من القرار 242 مثلاً واقل من القرار 181 ويضمن الحقوق الفردية للاجئين كما في القرار 191.

في الواقع ان القوى الدولية التي خلقت خارطة الطريق لم تكن صادقة مع ذاتها ومسؤوليتها التاريخية، ولم تضع الاسس والخطوات لدعم وليدها المشوه. المجموعة الاوروبية وروسيا واميركا والامم المتحدة، صناع خارطة الطريق، هم من المسؤولين مباشرة عن بداية واستمرار النكبة الفلسطينية وعن الوضع الحالي. هكذا، ماذا يقصد الرئيس الاميركي عندما يتحدث عن دولة فلسطينية قابلة للحياة دولة كهذه يمكن ان تكون في رفح وخان يونس، ويمكن ان تكون ضمن حدود قرار الامم المتحدة للتقسيم؟ هذا السؤال ينسحب على بقية صناع الخارطة ويشمل قضايا اخرى مثل اللاجئين والمياه والقدس والاجواء. ترك ذلك لنتيجة التفاوض بين الاسرائيليين والفلسطينيين هو كلام فارغ وسيؤدي الى عودة العنف كما في الماضي، فاسرائيل تفرض الامر الواقع وترفض التنازل التفاوضي ولا يجد الفلسطيني غير الانفجار والتفجير والانتحار لوقف ضياع بلاده من بين يديه كالرمال الناعمة، خصوصاً وانه لا يثق في قيادته ولا يعرف شكل الحل النهائي. صناع الخارطة لم يحددوا الشكل النهائي للحل ولا طرق الاحتكام التفاوضي، كما انهم لم يضعوا آلية للاسترضاء! مثلاً في ثاني يوم على قمة العقبة وبينما الساحة الفلسطينية تستعد لاعلان هدنة عن العمليات اغتالت اسرائيل قيادات من حماس. لو هب الرئيس الاميركي وحكومات الرباعية وشجبوا شارون وتصرفه وهددوا بالعقاب الاقتصادي اذا عاد لذلك، لو فعلوا شيئا كهذا لما قام الفلسطينيون بعمليات انتقام في اليوم التالي، رد عليها شارون بانه لن يطبق الخارطة الا بعد القضاء على الارهاب. ولكن الرباعية لم تفعل، لانها لا تريد الالتزام، وانما وضع اللوم على الطرفين او على احدهما. من المنطقي ان يوقف الفلسطينيون العنف ويحملوا المسؤولية لشارون ويحرجوه امام العالم ويلصقوا به صفة الارهابي. كما من الممكن ان تتفق الفصائل والحكومة الفلسطينية على شكل الحل المطلوب وادوات نجاحه من دون ان يتنازلوا عن انجازاتهم، لكن ظروف الفلسطيني لم تعد تسمح باعتماد المنطقية او تطبيق الممكن. وبالتالي فوقف العنف الفلسطيني يتم اذا شعر الشعب الفلسطيني ان المجتمع الدولي يريد له الخير والحل العادل ويتمسك بضمان الحقوق، واذا شاهد الفعل الدولي ضد اسرائيل بما يغنيه عن استعمال السلاح والمتفجرات. بمعني اخر يريد الفلسطيني وعدا بحل عادل واضح التفاصيل، ويريد موقفاً دولياً ضد الاحتلال والارهاب الرسمي اليومي، ودعماً فورياً في مجالات العمل والعلم والحياة قبل تطبيق الحل وليس ثمناً بخساً للقبول بأي حل... حينذاك سينتهي العنف ويذوب انصاره، وبدون ذلك لن تهدأ الساحة الفلسطينية، كما يبدو، حتى وان كان في صخبها انتحار ذاتي وتجاوب مع آمال شارون.