القضايا العربية للتجريب فقط

TT

عول ميثاق الأمم المتحدة بشكل كبير على مجلس الامن كأداة ملزمة للأسرة الدولية لضمان السلم والامن في ارجاء المعمورة، وخوله من الصلاحيات ما يكفي للقيام بهذا الدور الحاسم، يتضح ذلك جليا حين نقرأ الفصل السابع من الميثاق المذكور. وقد مهد المزاج السياسي الطاغي عشية توقف العمليات العسكرية اثر اندحار قوات دول «المحور» في الحرب الكونية الثانية لانشاء مثل هذا الجهاز، مما دفع الرئيس الامريكي روزفلت الى اقناع اعضاء «كونغرس» بلاده الى الانضمام الى الامم المتحدة، مؤكدا لهم ان قراراتها غير ملزمة ـ وهو ما يخشونه ـ بعد اقتراح حق النقض «الفيتو» في مؤتمر يالطا بشبه جزيرة القرم على ساحل البحر الاسود 4 ـ 11 1945/2/. واتفق «الحلفاء» ستالين وتشرشل، بالاضافة الى روزفلت، على جملة امور كان ضمنها استخدام حق النقض في مجلس الامن المقترح انشاؤه حينها في اطار الامم المتحدة. وبهذه الخطوة التي تزامنت مع استضافة مقر الامم المتحدة، وضعت الولايات المتحدة حدا للسمة التي ميزتها قبل القرن العشرين، وهي نزعتها الى الانطواء على نفسها والى الانعزال عن العالم، وهذا مهد لها اكتشاف قدرتها وطموحها معا للقيادة.

وآلية عمل المجلس، قصد ان تكون بسيطة لمشرعيها، لتتماشى مع التباين الكبير بين الاعضاء المسكونين بهواجس شتى، وفي مقدمتها الغموض الذي طبع العالم بعد الحرب الكونية الثانية، وفشل التجربة السابقة في باريس من خلال عصبة الامم. وتبدأ هذه الآلية عند وقوع حادثة تهدد الامن والسلم الدوليين، يقوم على اثرها احد اعضاء الامم المتحدة (المتأثر بالحادثة)، وهو ما حددته المادتان 37 و38 من النظام الداخلي المؤقت للمجلس، بطرح صيغة مشروع قرار، بشكل غير رسمي، وقبول التعديلات التي يمكن ان يقدمها اعضاء آخرون لاظهار المرونة المطلوبة لتحقيق «توافق الآراء» المنشود دائما في عالم الدبلوماسية المتعددة، يطبع بعد ذلك بالحبر الازرق كوثيقة رسمية لمجلس الامن يطلق عليها في صدر الورقة «مشروع قرار» تعقب ذلك عملية الاعتماد بالتصويت واعطائه رقما، واذا كان بيانا رئاسيا يصدر بالحبر الاسود بعد موافقة كل الاعضاء (توافق الآراء الزامي في البيان الرئاسي)، وتجدر الاشارة الى انه يحق سحب مشروع القرار او البيان طالما لم يجر التصويت عليه.

للراصد والمتابع، جل الحق لاتهام المجلس بالاخفاق في تحقيق اهدافه ومقاصده، خاصة في منطقة الشرق الاوسط التي تعد اكثر المناطق في العالم التي تناولها المجلس في حولياته. والحقيقة ان المجلس لم يسلم من تداعيات سياسات «الاستقطاب» و«الانحياز المنحاز» ابان زمن الحرب الباردة في القرن المنصرم، كما انه «يترنح» بكل اسف خلال تلقيه في السنوات الاخيرة لكمات موجعة من بطل بلا منافسين واضواء في الحلبة؟!

ان التساؤلات التي يطرحها المشتغلون في حقل الدبلوماسية المتعددة ومن هم على شاكلتهم من الاكاديميين والاعلاميين، عن امكانية اعادة تفعيل دور المجلس وتعزيز قدرته، اتخذت اشكالا عدة، كان ابرزها النقاشات المعمقة التي يرعاها الامين العام للامم المتحدة مع الفريق العامل لفتح باب العضوية الذي انشئ في الدورة 48 (عام 1993) وينكب هذا الفريق على دراسة مسألة توسيع مجلس الامن واصلاح اساليب عمله وفي مقدمتها الشفافية. ولتفعيل دور هذا الفريق قسم الى اثنين الاول ويطلق عليه Cluster 1 ليتابع مسألة توسيع عضوية المجلس، اما الثاني Cluster 2 فهو متابعة تحسين الاداء. ويلوح في الافق شبه اتفاق بين اعضاء الفريق العامل، على ضرورة زيادة عدد اعضاء مجلس الامن على ان لا يتجاوز الرقم 26 عضوا، 11 منهم دائمو العضوية و15 غير دائمين (الآن 15، 5 دائمون و10غير دائمين). ومن داخل المجلس نفسه اتخذت اجراءات مماثلة تهدف الى تعزيز الاداء، فقد صدرت مذكرة من رئيس المجلس برقم 1999/1291/S في 1999/9/30، تركز على زيادة عدد الجلسات العلنية (الرسمية) لتوسيع مشاركة الدول غير الاعضاء في مجلس الامن.

القضايا العربية ـ اذا كانت لا تتعلق بالنزاع الاسرائيلي مباشرة ـ حققت نجاحات باهرة داخل المجلس لجهة انجازها، ونورد ثلاثا منها فقط: العراق بموجب القرار 661، ليبيا القرار 748 والصومال بموجب القرار 751. فهذه الملفات الثلاثة، تم اغلاقها وستبقى في الامكنة ذاتها حتى لو نبت العشب في صدوع الجدران المحيطة. ولتكريس نشوة احد هذه الانجازات الخاص بالعراق، يطرح هذه الايام بليكس رئيس «انموفيك» وهو الوريث الشرعي لبتلر (الاسترالي العتيد) رئيس «انوسكوم» افكارا تجعل من لجنة «انموفيك» الخاصة بنزع الاسلحة العراقية، ذراعا لمجلس الامن للتفتيش عن الاسلحة في اي مكان من العالم! متخطيا الهيئات القائمة المعنية، وهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية (فيينا)، منظمة حظر الاسلحة الكيميائية (لاهاي)، وقريبا، منظمة حظر الاسلحة البيولوجية (جنيف).

ان الايقاع المحموم الذي يصاحب جلسات مجلس الامن التي تنظر في مسائل عربية، كان يثير الشفقة ويضعنا احيانا كمتابعين عرب في مأزق امام انفسنا والآخرين. كانت قضايانا مع بالغ الاسف، «فئران تجارب» في مختبر المجلس.

* كاتب سعودي