حرية الصحافة!

TT

في الدول التي قطعت شوطاً طويلاً في طريق الديمقراطية تتمتع صحافتها بقدر كبير من الحرية حتى أنها السلطة الرابعة إلى جانب السلطات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية.. وقد يحدث أحياناً في هذه الدول أن يستغل بعض الصحافيين تلك الحرية التي تتمتع بها صحافة بلادهم ويخوضون في أمور قد تمس سمعة أفراد أو جماعات من دون أن يكون لديهم الدليل على ما يسوقون من اتهامات أو إدانات، الأمر الذي قد يؤدي إلى تدخل السلطة القضائية لإظهار الحقيقة وتأكيد أنه لا وجود لحرية مطلقة، وأن الحرية الحقيقية هي الحرية المسؤولة التي لا تسيء إلى الآخرين ولا تلحق بهم أذى.

صدر اخيراً في العاصمة الفرنسية باريس كتاب «الوجه الآخر لصحيفة لوموند» كتبه الصحافيان بياد بيان وفيليب كوهين، وكان له دوي القنبلة في عالم الصحافة وفي أوساط المثقفين والمسؤولين الحكوميين حتى أن الكثير من الصحافيين في الشهر الماضي طالبوا الشركات الثلاث المؤسسة لصحيفة «لوموند» برفع دعوى قضائية ضد الكاتبين الصحافيين صاحبي الكتاب للمثول أمام القضاء بتهمة التشهير وبطلب تعويض قيمته مليون يورو.

وبالفعل رفعت الشركات الثلاث المالكة للصحيفة دعوى قضائية ضد الصحافيين ودعوى قضائية ضد صحيفة «اكسبريس» الفرنسية، لأنها ساعدت الصحافيين في نشر الكتاب وفي القيام بعرض أجزاء منه على صفحاتها. يتناول الكتاب ما يحدث وراء الستار في مجال السياسة والاقتصاد في فرنسا خلال الأعوام العشرين الماضية، كما يلقي الكاتبان اللوم على سياسة الصحيفة الشهيرة «لوموند» لأنها استخدمت شهرتها في التأثير في الحياة السياسية والاقتصادية في ما يخدم مصالحها البعيدة تماماً عن الأغراض الصحافية، ويوضح الكاتبان كيف كانت الجريدة تقوم بدور الوسيط لإحدى المؤسسات لدى حكومة ليونيل جوسبان السابقة لتحقيق مكاسب غير مشروعة وعشرات أخرى من نماذج العلاقات الخاصة بين السلطة والصحيفة.

وبعد أن كشف الكتاب عن أخطاء الصحيفة والفساد الذي يتمثل في العلاقات الخاصة التي تربط بين مسؤولي الصحيفة وبعض المسؤولين الحكوميين، أضاف مؤلفاه أن ذلك كله قد أثر في شعبية الصحيفة اليومية التي بانهيارها ينهار النموذج الفرنسي المثالي للصحافة، وبتناول جميع الصحف الفرنسية ما جاء في الكتاب خشي البعض في أوساط المثقفين الفرنسيين أنه إذا لم تسارع الصحيفة بنفي الاتهامات التي وجهت لها فسوف يصبح موقفها صعباً.

يذكر أنه في اليوم الأول من بدء توزيع الكتاب تم بيع ستين ألف نسخة من إجمالي مائة وخمسين ألف نسخة، وفي نهاية العطلة الأسبوعية نفدت جميع النسخ المطروحة من الكتاب في المكتبات والأكشاك.. انها مسألة خطيرة.. مسألة حرية الصحافة.. وفي فرنسا!