إسرائيل المترددة

TT

من غير الجائز أن تظهر إسرائيل أمام نفسها وأمام العالم، أنها تخاف مقاومة الفلسطينيين لاحتلالها، وتخاف هدوءهم في الوقت نفسه. لقد تعاملت إسرائيل حتى الآن مع اتفاق الانسحاب (إعادة الانتشار) الذي عقدته مع السلطة الفلسطينية بحذر شديد يصل إلى درجة الخوف، وتعاملت إسرائيل بحذر أشد وبخوف أشد مع قرار الهدنة الذي ارتضته الفصائل الفدائية، وعبرت عن خوفها هذا بمواصلة عمليات الاغتيال والدهم وقطع طرق المواصلات والتشدد في الافراج عن الأسرى.

ومن غير الجائز أن تظهر إسرائيل وهي الدولة القوية والمنظمة، عاجزة عن الضبط والربط في إطار وقف إطلاق النار، بينما أنجزت الفصائل الفدائية التي لا تملك وسائل متقدمة للضبط والربط، انضباطاً يفوق ما كان متوقعاً منها. وبدت إسرائيل في الحالتين أكثر خوفاً بينما بدت السلطة الفلسطينية والفصائل الفدائية أكثر ثقة بالنفس، بالرغم من الخلافات الفلسطينية الداخلية الكثيرة المعروفة.

لا نعتقد أن السبب يعود إلى التقصير الإسرائيلي، ونرجح أنه يعود إلى خلاف داخلي بين فريق لا يريد الهدوء مع الفلسطينيين، ولا يريد تطبيق «خريطة الطريق»، وفريق آخر يرى أنه لا بد من ذلك. ويتغذى هذان الفريقان الإسرائيليان من الجدل الأميركي الداخلي، إذ لم يعد خافياً أن في الولايات المتحدة فريقا يشجع إسرائيل منذ عام 1996 على الخروج من عملية التسوية السياسية، والتوجه نحو بناء قوة إسرائيلية تكمل مخطط القوة الأميركية، وهناك التيار الآخر الذي يرى أن من مصلحة الرئاسة الأميركية أن توجد حالة هدوء في كل مناطق الشرق الأوسط، وبخاصة في العراق وفلسطين، لأن حالة الهدوء هذه ستنعكس إيجاباً على العمل السياسي الأميركي الداخلي. ووجود هذين التيارين داخل الولايات المتحدة هو أمر يخصها، وهو أمر يحسم به الرئيس الأميركي، وعلى مستوى أميركا ووزنها العالمي المتميز. ولكن ليس من حق دولة صغيرة مثل إسرائيل أن تضع نفسها موازية للسياسات الأميركية، ثم تتصرف مع الشعب الفلسطيني ومع الدول العربية بناء على هذا الموقع الخاطئ الذي تحاول أن تضع نفسها فيه.

إن إسرائيل دولة صغيرة مهما قويت، وأول معاني التسوية السياسية أن تتقرب من دول المنطقة، لا أن تجعل من نفسها قوة تهديد، سواء كان التهديد بقوتها الذاتية أو بصداقاتها الدولية.