ظواهر عراقية تبشر بالأمن والاستقرار

TT

بعض الظواهر التي نرصدها في العراق تظهر ان الامل قوي في ان يصل الشعب قريبا الى مرحلة الامن والاستقرار، والتغلب على التناقضات التي مازالت تفرض نفسها على معظم القضايا، رغم ما يعانيه الشعب، حتى الآن، من متاعب ومصاعب في الحياة اليومية والاجتماعية والسياسية.

ومن الظواهر المبشرة بالاستقرار، رسالة وصلت من بغداد تشير الى تشكيل مجلس جديد للسلم والتضامن العراقي من اسماء وشخصيات معروفة، تمثل جميع الطوائف والاتجاهات السياسية والفكرية، عدا حزب البعث الذي كان منفردا وحده بتشكيل هذا المجلس، ومن هؤلاء روش نوري شاوس رئيس البرلمان الكردي، وهيروخان زوجة جلال الطالباني، ومن المثقفين المعروفين فخري كريم ومهدي الحافظ وعبد الاله النصراوي والفريد سمعان.

وكان صدى هذا التشكيل ايجابيا عند لجان التضامن العربية، اذ بادرت اللجنة المصرية للتضامن وغيرها من لجان التضامن العربية، الى الاعتراف بهذا المجلس غير الحكومي، والذي جاء تشكيله معبرا عن رغبة القوى والاحزاب السياسية في التضامن والتعاون في مواجهة الازمة التي يمر بها العراق، وهو أمر يدل على الاعتراف بالاخر في مجال السياسة مما يعتبر جديدا في العراق بعد سيطرة حزب البعث على مقاليد الحكم لمدة تزيد على ثلاثة عقود.

وظاهرة اخرى مبشرة بالانفتاح هي صدور الصحف في العراق التي تعبر عن ارادة شعبية في المعرفة ومتابعة الاخبار، بعد حرمان طويل فرضه نظام صدام حسين وحدد فيه للجماهير ما تقرأ وتشاهد وتسمع، فلم تكن هناك فضائيات عربية أو اجنبية تجلب اخبار العالم للمواطن العراقي، ولم يكن مصرحا بحمل التليفونات المحمولة التي تتصل بالخارج، ولم يكن مسموحا بتداول الصحف العربية والاجنبية.

ولذا، فإن عودة الصحافة العراقية الى الظهور تشكل ظاهرة تتناسب مع طبيعة شعب العراق في نهمه وحبه للقراءة، ورغبته في التعرف على ما يدور في ارض الوطن من احداث واخبار حول الاوضاع الامنية وتشكيل الحكومة العراقية ومظاهر المقاومة لجنود الاحتلال، التي مازالت تتلاحق كل يوم في اماكن مختلفة، ولأسباب متعددة ما يكبد قوات التحالف خسائر شبه يومية، ورغبة ايضا في متابعة ما يدورفي العالم.

وتشير الانباء الى انه تصدر في العراق حاليا حوالي 100 صحيفة شهرية واسبوعية ويومية تمثل مختلف الاحزاب السياسية، وتأتي في مقدمتها صحيفة (الزمان)، و(التآخي) للحزب الديمقراطي الكردستاني و(الاتحاد الوطني الكردستاني) و(طريق الشعب) للحزب الشيوعي العراقي و(نداء المستقبل) لحركة الوفاق الوطني العراقي، و(النهضة) لتجمع الديمقراطيين المستقلين، ومعظمها كانت تصدر قبل حكم البعث، كما تصدر ايضا صحف رسمية مثل (الوقائع العراقية) التي تصدر عن وزارة العدل وتنشر القوانين والقرارات الحكومية تحت شعار من كلمات عبد الرحمن بن خلدون (العدل اساس الملك)، ويلاحظ انها اصبحت تكتب بالعربية والانجليزية ايضا، واخيرا توجد صحف حرة مستقلة لكنها محدودة القدرة المالية، وجميع هذه الصحف تصدر دون تشريعات خاصة بتقنين ظهور الصحف، وهو ما يدفع رئيس الادارة المدنية المؤقتة لقوات التحالف الى اصدار قرارات بفرض قيود على الصحافة العراقية.

ولكن هذه الظواهر الايجابية التي تتمثل في تشكيل تنظيمات سياسية وتضامنية وظهور صحافة تمثل مختلف الاتجاهات، لا تعني ان المجتمع قد وصل الى الامن والاستقرار، فالامر مازال بعيدا، والخطوات التي تمت مازالت محدودة، ولو انها في الطريق الصحيح، والسبب في ذلك هو ان القرارات التي تصدرها القيادة المدنية لقوات التحالف تؤدي الى ارتباك شديد لانها غير مدروسة على اساس واقعي صحيح، ولانها لا تعطي الشعب والقيادات العراقية فرصة المشاركة الحقيقية الشرعية لبناء المجتمع الجديد.

ومن القرارات التي اتخذت بعيدا عن مشورة وموافقة القيادات الموجودة داخل العراق، حل القوات المسلحة ثم التراجع عنه، وانشاء قوات مسلحة جديدة، وعدم تشكيل حكومة عراقية رغم وعودهم المتكررة بذلك، واعتقال بعض الافراد في مناطق من المفروض ان هناك نوعاً من التفاهم بين قياداتها وقوات التحالف، وعدم الاستقرار حتى الان على اقامة مجلس سياسي يدير العراق خلال الفترة الانتقالية، ومجلس دستوري يتولى اقتراح دستور دائم، على ان يكون ذلك خلال مؤتمر وطني وليس بالتعيين، كما يقترح بول بريمر الحاكم الامريكي للعراق، وكذلك الاستقرار على اسلوب تمثيل العراق في المنظمات الاقليمية والدولية.

وتكشف هذه القرارات عن رغبة امريكية كامنة في بقاء قوات الاحتلال لمدة طويلة على ارض العراق، كما صرح بذلك الرئيس بوش وهو ينفي اية نية للانسحاب رغم خسائر القوات الامريكية، وهو ما يتعارض ويتنافر مع رغبات الشعب الذي لا يقبل استمرار الاحتلال، رغم موافقة جانب كبير منه على التعاون مع قوات التحالف التي خلصته من نظام صدام حسين، وهو امر يظهر في مجال المقاومة المستمرة والتي تكبد قوات التحالف خسائر شبه يومية، وتعتبر من الظواهر المبشرة، لانها تشكل قوة ضغط على قيادة قوات التحالف قد تدفعها الى مراجعة مواقفها وقراراتها فعلى الرغم من عدم تنظيمها بصورة شعبية شاملة، الا انها تعبر عن رفض جماهيري واسع لعدم توصل قيادة قوات التحالف الى قرارات مرضية لطموحات وآمال الشعب في تحقيق الامن والاستقرار، وتستغل فلول حزب البعث هذه الحالة من عدم الرضى الشعبي، وتقدم على اشاعة الفوضى والسرقة تنفيذا لما ظهر في بعض الوثائق التي ضبطت في مقار حزب البعث، الامر الذي دعا قيادة التحالف الى رفع مكافأة من يرشد عن صدام حسين الى 25 مليون دولار، وهو امر كانت له انعكاسات سلبية عند الجماهير من جهة، وعند قوى التحالف من جهة اخرى، ولاشك ان عدم الوصول الى اتفاق بين التحالف والقوى الوطنية سوف يؤدي الى تصاعد المقاومة واستمرار الخسائر اليومية لجنود التحالف.

وهكذا يتبلور الامر في ان هناك مصلحة مشتركة يمكن ان تقوم بين الشعب وقوات الاحتلال على اساس اتخاذ الاجراءات والقرارات التي تشمل ضرورة الاسراع في تشكيل حكومة عراقية تنهض بمسؤولية قيادة المجتمع، وتعتمد على القوى والتنظيمات العراقية، وتحديد موعد نهائي وقريب لخروج قوات الاحتلال، حتى يعود الامن والاستقرار.