إيران تحارب أمريكا في العراق

TT

تهتم امريكا بهذا اليوم الاربعاء 9 يوليو عام 2003 في داخل ايران، لانه يمثل الذكرى السنوية الرابعة على مجزرة الطلبة الاصلاحيين في داخل الجامعة، التي اقتحمها جند الملالي في يوم 9 يوليو عام 1999، بعد مضي 20 عاما على وصولهم الى السلطة والحكم في طهران عام 1979.

نودي من بين صفوف الشعب الايراني باضراب عام تبدأ مسيرته اليوم في كل ارجاء الوطن احتجاجا على القمع الدموي للطلبة قبل اربعة اعوام، واعلن بعض المسؤولين الامريكيين عن آمالهم في ظهور قيادات ايرانية جديدة، تأخذ بالبلاد من التشدد الى الاعتدال، ولكن هذه الآمال لا تستند الى الواقع الايراني من الداخل، ولا تقوم على دراسات استراتيجية او حسابات سياسية مما يجعلها رجما بالغيب، وتدخل تحت مظلة «ما كل ما يتمناه المرء يدركه».

جاءت البداية الحقيقية للموقف الامريكي ضد ايران بتهديدات الرئيس جورج بوش قبل أيام معدودة لطهران ببدء الحرب ضدها، اذا استمرت في امتلاك اسلحة الدمار الشامل، وواصلت عملها على تطوير اسلحتها النووية، ويقال في اروقة البيت الابيض، بأن الانذار الامريكي بالحرب ضد ايران، يمثل في حقيقته حملة دعائية مبكرة في اطار حملته الانتخابية القادمة التي اصبحت على الابواب ليبقى اربع سنوات أخرى في البيت الابيض.

يناقض هذا القول رأي آخر يأتي ايضا من اروقة البيت الابيض، ويذهب الى ان التهديد بالحرب لايران يستهدف حسم الصدام القائم بين صقور وزارة الدفاع «البنتاجون» المنادين بحتمية الحرب مع ايران، وبين حمائم وزارة الخارجية الداعين الى الاخذ بالسبل الدبلوماسية في التعامل مع ايران، ويصل اصحاب هذا الرأي الى نتيجة تقرر بأن الرئيس جورج بوش الغى الحوار الدائر بين صقور البنتاجون وبين حمائم وزارة الخارجية بإعلانه استراتيجية واشنطون في التعامل مع ايران باستخدام السلاح وليس بتحكيم العقل.

يقول جوش واتشيز، المسؤول التنفيذي عن الحملة الانتخابية الرئاسية للحزب الديمقراطي، ان قرار الحرب ضد ايران الذي اتخذه الرئيس جورج بوش، يثبت التهمة على امريكا بفرض ارادتها على غيرها من الدول بالقوة، بكل ما في ذلك من تناقض مع دعوتها الى سيادة الديمقراطية في العالم كله، ومخالفة الدعوة الى الحرب لاحكام القانون الدولي العام التي تقرر السيادة المطلقة للدول على اراضيها وتحرم تدخل دول في شؤون غيرها من الدول، قد أوقع ذلك واشنطون في هاوية التعارض الصريح بين دعوتها الى الديمقراطية والالتزام باحكام القانون الدولي العام في العلاقات الدولية، وبين نهجها الديكتاتوري ومخالفة احكام القانون الدولي العام في كل علاقاتها الدولية ففقدت تماما مصداقيتها امام العالم.

وأكد جوش واتشيز ان الحرب مع ايران بدون مبررات لها تجعل التاريخ يعيد نفسه، لأن الرئيس جورج بوش واركان ادارته عاجزون حتى الآن عن تبرير حربهم مع العراق بسبب عدم عثورهم على اسلحة الدمار الشامل به، التي كان حجتهم في الخروج الى الحرب بعيدا عن الشرعية الدولية لرفض مجلس الأمن تعديل قراره 1441 بصورة تبيح الحرب ضد العراق بدلا من مواصلة التفتيش به عن اسلحة الدمار الشامل، وقد فرض ذلك على الرئيس جورج بوش المثول امام الكونجرس لمساءلته عن دوافع الحرب في العراق وعن اسباب توريط شباب امريكا من ذكر وانثى في المستنقع القتالي به على الرغم من كل التحذيرات منه قبل الخروج اليه بالحرب ضده. وطالب جوش واتشيز بتقييد صلاحيات وسلطات الرئيس جورج بوش خلال الفترة الباقية لحكمه التي تمتد الى يوم 20 يناير عام 2005 حتى لا يورط الوطن الامريكي في حرب أخرى بإيران، وحث على اخراجه من البيت الابيض خلال الانتخابات الرئاسية القادمة حفاظا على «ماء وجه» امريكا امام العالم.

واجهت ايران التهديد الامريكي ضدها بالحرب الذي يصل الى مستوى اعلان الحرب بمسلكين، اولهما سياسي وثانيهما عسكري.. اما السياسي فيتضح من عدم نكرانها امتلاكها السلاح النووي، واعلنت ان امتلاكه امر طبيعي لانها محاطة بثلاث دول تمتلك هذه النوعية من الاسلحة، اسرائيل في غربها، والهند وباكستان في شرقها وكل مساومة مع طهران حول اسلحتها النووية تفرض المساومة مع تل ابيب ونيودلهي واسلام اباد، وطالبت بالعودة مرة أخرى الى فيينا العاصمة النمساوية لاعادة ترتيب اتفاقية حظر امتلاك الاسلحة النووية لتشمل جميع الدول بدون استثناء على المستويين الاقليمي والدولي، فخطورة هذا السلاح على الانسان وانجازاته الحضارية في مشارق الارض ومغاربها، تتطلب التخلص منه تماما من على الارض، ويأتي في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الامريكية التي تمتلك سلاحا نوويا قادرا على تدمير الارض وما عليها من حياة، وهي الدولة الوحيدة التي استخدمت السلاح النووي علنا في نهاية الحرب العالمية الثانية، بارسال قنبلتين ذريتين الى هيروشيما ونجازاكي في اليابان، وتتهم في الاوساط السياسية والعسكرية الدولية بأنها استخدمت الاسلحة المشعة «النووية» في حروبها العديدة من بعد الحرب العالمية الثانية، وقامت بدفن نفاياتها النووية في باطن ارض عديد من الدول بدون علمها بكل ما ترتب على ذلك من تدمير للحياة بها.

اذا صدقت واشنطون في نيتها الرامية الى تخليص الدنيا من الاسلحة النووية فلتكن القدوة لذلك وتبتعد عن قول الشاعر العربي المتنبي:

لا تنه عن خلق وتأتي مثله

عار عليك اذا فعلت عظيم

اما المسلك العسكري الذي انتهجته ايران في مواجهة التهديد الامريكي بالحرب ضدها فعملت على نقل معركتها مع امريكا الى داخل الاراضي العراقية لتزيد من ضغط المقاومة الشعبية العراقية ضد الوجود العسكري الامريكي فتنشغل به عن الدخول في حرب مباشرة مع ايران في داخل اراضيها حتى يستحيل على امريكا استقطاب الشباب الاصلاحيين الذين يعارضون بقوة حكم الملالي في ايران، الذين تعمدوا اغلاق الابواب في وجه واشنطون الراغبة في رفع هؤلاء الشباب الى مستوى القيادات الشعبية لتأهيلهم الى السلطة والحكم في طهران لتخرج ايران من فكرها الاسلامي وتدفعها الى الفكر العلماني لتعزف طهران مع واشنطون النشيد الوطني الامريكي من على ارض الشرق الاوسط.

لم يكن في استطاعة طهران ان تنفذ الى العراق وتتخذ من ارضه ميدانا لحرب ايران ضد امريكا، لولا الوجود الشيعي المضطهد بالعراق على الرغم من انه يشكل اغلبية أهله، حيث تصل نسبته بين السكان %65، وهذا الواقع الماثل أمامنا في العراق الذي يشكل خطورة بالغة على الاقليم يدعو الى جدية التفكير في اعادة صياغة التعامل مع الاقليات الشيعية في الوطن العربي ورفع كل الفروقات المفروضة عليهم بمساواتهم مع بقية المواطنين تحت مظلة المواطنة التي تجبُ كل الفروقات المذهبية حتى لا ينفذ من خلالهم كل المتربصين بالشر الى الوطن العربي في ظل المرحلة الحالية التي تعمدت فيها امريكا خلط الاوراق السياسية بالاوراق العسكرية لتصل الى استراتيجية تستهدف فرض سيطرتها او على الاقل نفوذها على اقليم الشرق الاوسط.