أخلاقيات الطب

TT

عملية فصل التوأمين السياميين لاله ولادان بيجاني أمس الاول التي شغلت العالم كانت من أطول العمليات الجراحية في التاريخ. لقد استمرت 53 ساعة متواصلة مسجلة رقما قياسيا عالميا رغم ان الاطباء كانوا يأملون في انجازها خلال 48 ساعة وهو وقت ليس بالقصير أيضا.

صحيح ان بعض ضحايا الحرائق والحوادث الاخرى التي تشوه الجسد وتعطل بعض وظائفه يتعرضون الى سلسلة من العمليات لتقويم وضعهم الصحي والجمالي، لكن مثل هذه العمليات تجري بالتسلسل واحدة بعد الاخرى حال الانتهاء من مرحلة النقاهة لكل عملية، وليست على دفعة واحدة.

ثم ان هذه العملية هي الاولى من نوعها في العالم لكون الشقيقتين تبلغان الـ29 سنة من العمر أولا، وليستا طفلتين في مقتبل العمر ثانيا، ولأن الدماغين متصلان ببعضهما عند القاعدة متشاركين بوريد واحد لتغذية الدم، فضلا عن الاتصال العظمي السميك بين الجمجمتين. ومما زاد في تعقيد العملية اعادة وصل الاعصاب وتوجيه مسارها من جديد، وهي بحد ذاتها عملية معقدة جدا، مع المحافظة طوال الوقت على التروية الدموية للدماغين اللذين لا يستطيعان البقاء حتى لدقائق قليلة من دون ذلك، كما ان اضطرابات الدورة الدموية ساهمت في النهاية المؤسفة التي هزت العالم رغم مهارة الفريق الطبي العالمي الذي اجرى العملية بقيادة الجراح السنغافوري كيث غوه المؤلف من 24 طبيبا، يسانده فريق آخر مؤلف من حوالي مائة شخص. أي بعبارة أخرى كانت جميع السلبيات موجودة في حالة هاتين الشابتين الايرانيتين مقابل فريق طبي متكامل.

ولو قدر لهذه العملية النجاح لكانت العملية الاولى من نوعها التي تجرى لبالغتين على ابواب الثلاثين من العمر.

في أي حال شرعت العملية تثير ردود فعل عالمية حول الاخلاقيات الطبية، خاصة ان فريقاً طبياً المانياً رفض في الماضي اجراءها بطائلة انها خطيرة جدا. وكان اول الاصوات التي ارتفعت محتجة عليها صوت الدكتور ريتشارد نيكلسون محرر نشرة "ميدكال اثيكس" التي تعالج مثل هذه القضايا السلوكية الذي اشار الى أن من واجب الجراحين ان يراعوا نسبة خطورة الوفاة قبل الاقدام على التدخل الجراحي. وأضاف ان التقنيات التصويرية التي في حوزة المستشفى السنغافوري ليست بالتقدم الكافي لاتاحة المجال أمام الاطباء لمعرفة كيفية تطور العملية وسيرها مسبقا على وجه الدقة. "من هنا كان على الاطباء واجب النظر الى مصلحة المريض قبل كل شيء، لا ان يضلوا طريقهم تحت تأثير عوامل مختلفة"، على حد قوله.

فريق طبي آخر اتهم سنغافورة بعد عمليات الفصل التي قام بها خلال السنوات الاخيرة بانها تحاول ان تظهر للعالم انها باتت الملجأ الطبي الوحيد لمثل هذه العمليات في محاولة لتلميع صورتها والاستفادة اقتصاديا. في أي حال جاءت العملية بعد رغبة ملحة من الشقيقتين اللتين كانتا تبحثان في العالم كله عن الجهة التي ترضى باجرائها رغم مخاطرها الواضحة سعيا منهما الى حياة طبيعية أفضل، لأن النوعية والجودة تبقيان مطلبا أساسيا من مطالب الانسانية وتاريخها العريق.

اخيرا عاشت لاله ولادان متحدتين متصلتين 29 سنة قبل ان يوحدهما الموت مجددا عندما شاءتا الانفصال. لقد أبى الخالق سبحانه وتعالى في النهاية الا ان تكونا معا، في الحياة والممات.