تطهير الإسلام المعاصر من التحريف السياسي

TT

اذا كان لعملية 11 سبتمبر الارهابية «حسنة» ففي صدمتها التي اثارت الرأي العام في الغرب، وفتحت العقول الغربية على دين وعالم كانت تجهله أو تتجاهله، ونعني الاسلام والمسلمين. كذلك بالنسبة للعمليات الارهابية التي استهدفت بعض المدن العربية، فقد فتحت عيون اولياء الامر وكبار علماء الدين المسلمين على خطر الخروج بالدين عن جوهر رسالته واستخدامه لخدمة اغراض سياسية. واذا كانت الحروب الساخنة والباردة بين الغرب والمسلمين، في السنتين الاخيرتين رفعت موجة من الغضب المتبادل بين هذين العالمين أو شحذت العداء بينهما، فإن هذه الموجة آخذة في التراجع، ليحل محلها ادراك متنام مشترك للاسباب المباشرة والعميقة للارهاب المتستر بالدين، ورؤية جديدة للطريق الذي يجب سلوكه للقضاء عليه.

ذلك ان «الارهاب باسم الدين» أو «الجهاد الارهابي» (ونستثني من هذه التسمية عمليات المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي )، ليس فيه أي خدمة للاسلام وللمسلمين ولا للغرب أو للسلام في العالم. فهو يستجلب عداء كل شعوب الارض للمسلمين، ويشوه وجه الاسلام واخطر ما فيه هو انه يهدد استقرار وسلامة كل الشعوب والدول العربية والاسلامية، وينحرف بالمسلمين عن طريق الجهاد الاكبر والحقيقي في عصرنا، أي بناء المجتمعات الاسلامية النامية والمتقدمة والانسان المؤمن الحر والمتصالح مع اخوانه وجيرانه والعالم، والمشارك في بناء مستقبل البشرية.

لا شك في ان الاستعمار السابق للشعوب العربية والاسلامية مسؤول عن رواسب الغضب او الكراهية للغرب في ذاكرة الانسان العربي أو المسلم، وان قيام اسرائيل بالقوة في قلب العالم العربي واستيلاءها على القدس وانحياز الولايات المتحدة والغرب ودعمها لها، حفرت في قلب كل عربي ومسلم جرحا نازفا. كما لا خلاف على ان فشل معظم الانظمة الحاكمة في الدول العربية والاسلامية في تحقيق التنمية والعدالة الاجتماعية وفرص العمل والحريات العامة والتعليم الحديث، اوجد ملايين الشباب الغاضبين الناقمين المرشحين للدخول في جماعات أو حركات متطرفة، دينية ـ سياسية تعارض تلك الانظمة. ولكن كل هذا وذاك، لا يبرر تصنيف أو تسمية ثلاثة ارباع البشرية بـ «الكفار»، ولا اعتبار الغرب الاوروبي الاميركي، القابض على مقاليد الحضارة العلمية والتكنولوجية، والذي نستورد منه الابرة والسيارة والطائرة والكومبيوتر والدواء والغذاء، «عدوا دائما للدين وللمسلمين» كما لا يبرر تلك العمليات الارهابية اللهم الا اذا كان التحرش بالدول الكبرى وايذاؤها وسيلة لاستجلاب عدوانها واحراج الانظمة العربية الحاكمة امام شعوبها.

ان احتلال اراضي كل الدول العربية والاسلامية، ليس ممكنا أو واردا ولا يحل مشكلة الارهاب ولا ينهيها، باعتراف الاميركيين انفسهم. ولا ملاحقة الاسلاميين المتطرفين المعتمدين العنف والارهاب، او اعتقالهم أو تصفية جماعاتهم من قبل الانظمة، (من منطق الدفاع عن النفس)، بالحل الانجع، ولكن اهم من كل الخطط والتدابير والمعالجات، هو انقاذ الاجتهاد الديني من ايدي تلامذة بن لادن والظواهري وسيد قطب والمودودي، الذين حصروا الدين الاسلامي بالجهاد الحربي والقتال وباستعداء او رفض كل من هو غير مسلم وما هو غير اسلامي، و«بتكفير» تسعين في المائة من اخوانهم في الدين الذين يعيشون عصرهم ويتأقلمون مع معطياته، ولا يرون من ضرورة ليعيشوا كما كان اجداد اجداد اجدادهم يعيشون منذ ألف عام، كي يثبتوا أو يستحقوا اسلامهم.

اننا نشهد ـ اخيرا ـ انتفاضات وبادرات تشارك فيها بعض الدول الاسلامية الكبرى وكبار العلماء والمثقفين العرب والمسلمين (كان من ابرزها اجتماع ولي العهد السعودي بالعلماء والمثقفين، والمؤتمر الدولي الاسلامي الذي عقد في ماليزيا)، وندوات تلفزيونية ضمت بعض العلماء والاخصائيين المسلمين، الغاية منها تفنيد اجتهادات الاصوليين المتطرفين، وصد موجة الانحراف والتضليل التي ارتفعت مؤخرا. لقد تأخر المسؤولون والعلماء المسلمون الكبار، ومجالس الفقه والمرجعيات كثيرا في تصديهم لهذه الاجتهادات الدينية المحرفة أو المبتسرة لحقيقة الاسلام ورسالته اما وقد استدركوا الامر فلا بد من استمرار هذه الحملة او هذه الحركة التصحيحية الدينية، لا سيما على شاشات التلفزيون، ومدها الى كل الدول العربية والاسلامية (خاصة تلك التي لا يتكلم أبناؤها العربية)، والتي نجح الاصوليون المتطرفون في اختراقها (افغانستان، باكستان، اندونيسيا)، نظرا لتمكن دعاتهم من اللغة العربية (لغة القرآن الكريم) المجهولة في تلك الدول الاسلامية ـ غير الناطقة بالعربية.

إن الاسلام رسالة سماوية اسمى بكثير من ان تتحول على يد بن لادن والظواهري والقاعدة والطالبان، الى سلاح لمقاتلة العالم، ولتحقيق طموحات سياسية. وايا كانت طرق محاربة الارهاب في العالم ونتائجها، فإن من أولى واجبات العلماء المسلمين والمرجعيات الدينية الاسلامية، بل والمثقفين المسلمين، في مصر والسعودية والحوزات الدينية الشيعية، تطهير الاسلام من هذا التشويه الذي احدثته الجماعات السياسية ـ الدينية الارهابية فيه، وجلاء وجه الاسلام المتسامح والمنفتح على خير البشر والبشرية.

ان الذين يريدون، فعلا وحقا، انقاذ المسلمين ونهضتهم ونشر الاسلام في العالم، لهم كل الحق في ما يريدون أو يعملون له، ولكن طريق الدعوة الصحيحة والدفاع عن الاسلام والمسلمين لا يمر أو حتى يتلاقى بطريق بن لادن وطالبان.