واشنطن تتخوف من توسيع المشركة الدولية في حكم العراق

TT

مع تشكيل مجلس الحكم الانتقالي في العراق، يتبين ان بول بريمر، الحاكم الاميركي للعراق، اكد انه ليست هناك حاجة الى جنرال ماك آرثر آخر لان الوضع في العراق يختلف عما كان عليه وضع اليابان بعد استسلامها في الحرب العالمية الثانية، وان العراق في حاجة الى دعم ومساعدة واشراف خارجي ليخطو نحو الديمقراطية، ويحتاج ايضا الى مشاركة فعلية من قادته وشعبه. والذين يعرفون بريمر يصفونه بالكفؤ ذي المصداقية والاصرار، والآن بعد تشكيله المجلس سيتيح للاخير اختيار القادة الوزراء الذين لا بد ان يعملوا مع بريمر لحوالي سنتين مقبلتين حيث يتم اعداد مسودة الدستور واقامة مؤسسات ديمقراطية.

اثناء الاعداد للحرب، وخلالها وبعدها، رددت الادارة الاميركية عبارة "بناء الدولة"، وهذه لم يفهمها الكثير من العراقيين خصوصا ان الاوضاع المعيشية تراجعت عما كانت عليه زمن صدام حسين.

جايمس دوبنز، مدير مركز الامن العالمي والسياسة الدفاعية في مؤسسة راند الاميركية، والذي لعب دورا اساسيا في تطبيق الاستراتيجية الاميركية في بناء الدول في الصومال وهايتي وكوسوفو وافغانستان كممثل للرئيس بيل كلينتون ومن ثم للرئيس جورج دبليو بوش، قال، انها لفظة عامة وقد لا تصف بشكل واف ما يحتاجه العراق، و"أصف انا، بناء الدول بعد اي صراع، بالمحاولة الجادة لايجاد الامن والاستقرار والمؤسسات الديمقراطية". ويرى دوبنز ان الاولوية الآن للأمن، فمن دونه لن ينجح اي شيء آخر، والمطلوب جهود اكثر من قبل المجموعة الدولية والعراقيين انفسهم، لتثبيت امن ملموس.

منذ الاطاحة بصدام حسين، تبدلت اولويات الولايات المتحدة واختلفت خططها، فجاء اولا الجنرال جاي غارنر ثم حل محله بول بريمر، والآن جاء المجلس المحلي، كل هذا يشير في نظرنا الى عدم وجود خطط واضحة مسبقة، الا ان دوبنز يؤكد على اعداد الكثير من الخطط، وبعضها ارتبط باحتمال لجوء العراق الى استعمال الاسلحة الكيماوية والبيولوجية، وبعضها باحتمال تدفق اللاجئين، كما انه وضعت خطط في ما لو حصل تدمير اكثر للبنى التحتية، مثل حرق آبار النفط، واعتبر انه لأمر جيد وضع مثل تلك الخطط.. لكن ما حدث لاحقا، هو ان الادارة كانت متفائلة جدا بالنسبة الى الوضع الذي ستواجهه وبالذات اعتقادها بتوفر عدد من الشرطة العراقية والموظفين.

لقد اخطأت الادارة الاميركية في توقعاتها لانه لم تكن لديها المعلومات الصحيحة عن الوضع، وهذا ليس بالامر غير العادي، لانه عندما ذهبت الولايات المتحدة الى البوسنة، اعتقدت ان مهمتها ستنتهي خلال سنة، لكن القوات الاميركية لا تزال هناك. وعام 1945 اعتقدت ادارة الرئيس ترومان انها ستخرج من المانيا واليابان ايضا خلال سنة، لكنها احتاجت الى سبع سنوات. وهذا يشير الى ان الادارات الاميركية تقدم على مثل هذه العمليات في ظل نظرة متفائلة بانها ستنجح في اسرع وقت بدل ان تتبنى تقديرا اكثر واقعية. لذلك صار حديث ادارة بوش بانها ستبقى في العراق الوقت اللازم فقط، اي حتى قيام المؤسسات الديمقراطية. لكن، هناك طرح جديد، وهو انه بعد قيام نظام ديمقراطي مستقل في العراق، ستبقى هناك الحاجة الى مساعدة المجموعة الدولية لعدة سنوات لاحقة.

ولا يرى دوبنز بأن اقامة الديمقراطية في العراق ستكون مسألة سهلة، لكنه يستشهد باليابان التي لم يكن لديها تقليد ديمقراطي، او البوسنة او كوسوفو، ويضيف ان هذه هي المسؤولية السادسة التي باتت تتحملها الولايات المتحدة في السنوات الـ12 الماضية، وخمس من هذه الدول مسلمة، الصومال، البوسنة، كوسوفو، افغانستان والآن العراق. ولم تكن كلها ناجحة، فالصومال لم تكن ناجحة بالتأكيد، اما البوسنة وكوسوفو فكان النجاح فيهما الى حد معقول، الا انها كانت مكلفة وتطلبت التزاما واسعا، وما زالت افغانستان كسؤال ينتظر الاجابة، لهذا فان تعويد العراق على الديمقراطية ليس آليا وسهلا انما ممكن.

كثيرة هي الامور غير السهلة على الاميركيين، فعبد ان اعترف وزير الدفاع الاميركي دونالد رامسفيلد بان العراق يكلف الخزانة اربعة مليارات دولار شهريا، وبعدما اكد القائد السابق للقيادة العسكرية المركزية تومي فرانكس ان القوات قد تبقى الى اكثر من سنتين، جرى الاسراع في تشكيل المجلس المحلي الانتقالي، ودعت واشنطن الى مؤتمر اقتصادي سيعقد في تشرين الاول (اكتوبر) المقبل في نيويورك، لجمع المليارات من الدولارات، وليس معروفا استعداد الدول لتقديم الاموال اذا لم تشارك الولايات المتحدة في الحكم في العراق، فهي تعرف انها ستحصل على العقود وقد تعتبر الولايات المتحدة ان هذا الحافز كاف لتقديم المبالغ الطائلة، لكن الدول التي ستقدم مثل هذه المبالغ سوف تطالب الولايات المتحدة بالموافقة على المشاركة في المسؤولية، وهذا ينسحب ايضا على قوات حفظ السلام، وتواجه الادارة الاميركية في الاسابيع المقبلة خيارات صعبة، وهي تتخوف من المشاركة الواسعة بحيث لا يعود هناك حاكم مسؤول او لن تكون هناك سياسة موحدة ووحدة في الاهداف. لكن من جهة اخرى، اذا رفضت المشاركة في المسؤوليات، فلن تحصل على قوات كافية او على الاموال المطلوبة لانجاح العملية العراقية.

ويرى دوبنز ان هناك العديد من المؤسسات العالمية التي يمكنها ان تشارك في العراق، وقد تكون الامم المتحدة واحدة منها، انما ليس بالضرورة الاهم، فهي لا تلعب اي دور في البوسنة، بل الدور لدول حلف الناتو والاتحاد الاوروبي، وهي تلعب دورا مهما في كوسوفو وكذلك الناتو. والذين سيلعبون دورا في العراق هم: حلف الناتو والامم المتحدة وصندوق النقد الدولي والاتحاد الاوروبي، ولا بد ان يكون لكل منها دور مميز اذا رغبت واشنطن في تحقيق الاقصى من المشاركة الدولية. ولا يستبعد دوبنز ان يكون لبنك التنمية الاسلامي دور هو الآخر.

اما بالنسبة الى ارسال قوات للمشاركة في اعادة الامن، فان دوبنز يفضل عدم طلب قوات من الدول المجاورة للعراق، بسبب الكثير من العوامل والمشاعر والقلق من تقسيم البلاد. فهي يمكنها ان تشارك في قوات شرطة، والافضل للقوات ان تأتي من مصر وباكستان واندونيسيا والمغرب، اي من دول ابعد.

وقبل دعوة واشنطن لعقد المؤتمر الاقتصادي، عبر الاكراد (مقال كتبه الاسبوع الماضي مسعود البرزاني وجلال الطالباني في الهيرالد تريبيون) عن قلقهم لوجود 4 مليارات دولار، حصة الاكراد في الامم المتحدة، اذا لم تصرف قبل شهر اكتوبر (تشرين الاول)، سيخسروها. وحسب دوبنز، فان الاموال لن تختفي وستبقى للعراق، وقد يكون قلق الاكراد بان توزع هذه الاموال على كل العراق وليس لمنطقتهم فقط.

وسط هذه التطورات المتلاحقة في العراق، اضافة الى العمليات ضد القوات الاميركية، تكبر حيرة بعض العراقيين، فالاميركيون قالوا انهم قاتلوا لتحرير العراق ثم بقيت القوات بناء لقرار مجلس الامن تحت تعريف: قوات احتلال. ويدافع دوبنز عن عبارة: قوات احتلال، فهي مستعملة في القوانين الدولية وتلزم هذه القوات بمسؤوليات، ولا يوجد نص شرعي ينص على السلطة المحرِّرة. في كوسوفو فان الامم المتحدة اصبحت قوة الاحتلال التي تحكم هناك، في البوسنة هناك الممثل الاعلى ويمثل 20 دولة ويتمتع بنفس السلطة التي يتمتع بها بريمر، كمقرر اساسي لقرارات الحكومة المحلية، وفي الحالة العراقية، لانه لم تكن هناك موافقة مسبقة من الامم المتحدة، تم الاعتماد على ميثاق جنيف حول الحروب الذي يحدد مسؤوليات السلطة المحتلة.

ويعتقد دوبنز انه اذا نجحت الولايات المتحدة في توسيع دائرة المشاركة، وحافظت على مستوى التزامها الحالي، فانه خلال خمس سنوات سيكون العراق على طريق التحول الى دولة مزدهرة وحديثة وديمقراطية، ومجرد النظر الى تجربة كوسوفو والبوسنة يعطي الكثير من التفاؤل. ولان الولايات المتحدة وفرت القليل من المال لافغانستان، كانت النتيجة كما هي، فاذا رصدت للعراق القوات والمال ستكون النتيجة ديمقراطية وتطورا اقتصاديا.

ويأمل دوبنز ألا يدير الاميركيون ظهرهم للعراق، وان كان الامر محتملا، "لكن العراق يقع في منطقة مهمة من العالم وسيصعب على الادارة ان تجد مخرجا مشرفا، وهي حتى الآن تؤكد رغبتها في البقاء حتى الانتهاء من المهمة".