الشاعر والوزير

TT

لا يزال ادونيس يبحث عمن يلتقط قفازه فلا يجده فهو ليس السهروردي وابن صلاح الدين ليس في قلعة حلب ولا في قلعة القاهرة بل فيهما وحولهما أبناء رجال اخرين الفقه ليس من اهتماماتهم ولا الادب وهو ونظرا لعدم ادراك ذلك يصير صحافا اخر كذاك الذي في بغداد يطالب الاميركيين بأن يأتوا اليه ويعتقلوه فيقولون: شكرا اسمك ليس في الأوراق التي نلعب بها ويا ليتهم اكتفوا بذلك فها هم يشدونه الى عربة التاريخ الذي يريد ان يكتبه ويكذبونه في الكلمة الوحيدة المفهومة التي قالها مؤخرا وهي انهم استجوبوه وحققوا معه ثم أطلقوا سراحه.

وباختصار فان ادونيس والصحاف رغم التنافس بينهما ليسا من ضحايا الاميركيين ولا من ضحايا التاريخ العربي انما ببساطة ودون نرجسيات وقومجيات من ضحايا الكاميرا وهذه حالة كلاسيكية معروفة فكل من يعيش تحت الاضواء لفترة ثم تهجره الكاميرات يبدأ باختراع الافعال النشاز والاقوال الاكثر نشازا ليستعيد الاهتمام الذي كان ويصعب ان يعود فالتاريخ يجري ولا وقت لديه لانتظار حراس غابات النرجس ويكتب نفسه من دون انتظار نجار العربة.

لقد كان عندنا في بلاد الشام واحد من انجح الاسكتشات عن شخصية كاسر مزراب العين وهو نموذج اخر يختلف عن هذين العربيين القحين المشغولين بالتاريخ في انه لم يكن في يوم من الايام رجلا هاما تتحدث عنه القرية لذا لا يجد ما يغوي به حبيبته ويضمن من خلاله اهميته غير ان يكسر انبوب المياه الوحيد الذي تشرب منه القرية.

وفي التراث حكاية اخرى عن اعرابي بال في بئر على مفترق الطرق تشرب منه القبائل كي يتحدث عنه الناس ويصبح مشهورا واذا كان هذان ـ الاعرابي وكاسر مزراب العين ـ لهما هدفهما الواضح وهو الشهرة فما بال ادونيس والصحاف وعندهما منها الكفاية؟

وقد قيل الكثير عن الصحاف وتاريخه وعربته وفكاهته فاتركونا من قديمه الى جديد ادونيس حتى لا نقع في التكرار من كثرة إعجابنا بفرسان ادبنا وإعلامنا.

لقد جاء ادونيس الى اول مؤتمر ثقافي عربي بعد سقوط بغداد ليلقي قنبلة واحدة ويمضي ويا ليتها جديدة فهو يجربها في كل المؤتمرات منذ عشر سنوات ويفجرها على ارض العرب وعينه على بلاد الافرنج التي انصفت قبله سليمان وتسليمة اللذين يشاركانه في السين وفي معرفة سهولة الانتشار بعد كسر مزراب العين.

ان تجديد الفكر الديني ومساءلته واصلاح مسار بوصلته قضية لم تغب ابدا عن ذهن أي مفكر عربي لكن موقعها من الاولويات في بلاد الامية والتخلف والاستبداد هو الذي يحتاج الى مناقشة. ومشكلة ادونيس انه يستسهل القفز اليها والتركيز عليها قبل سواها لسهولة فرقعتها فيتحول الى شوكة في خاصرة حركة التقدم العربي التي يزعم الانتماء اليها او هذا ما توحي به كتاباته واقواله المسجلة.

وقد يقال ان هذه شجاعة يمتلكها وتنقص الاخرين وبعض الناس يريدون تصديق ذلك لكن تاريخه الذي لا عربة له كتاريخ الصحاف لا يساعد على اثبات صحة هذه الفرضية فسابقا وحين كان يقال له لماذا لا تنقد الاستبداد بالاسماء في بلادك وعند جيرانها كان يوحي على الدوام بان المفكر ينشغل بالاساسيات وليس بالاشخاص. ولكننا بعد خلع صدام حسين رأيناه يتشجع ويسمي بل ويبالغ في استخدام الاسماء ـ العراقية فقط ـ التي فقدت انيابها واضراسها وتلك صفة يشاركه فيها شجعان عرب اخرون خيم عليهم الصمت ربع قرن قبل ان يهبط عليهم وحي الشجاعة متأخرا ـ بسبب الزحام ربما ـ عدة حقب عن موعده الاصلي.

ان الذي يغفر للصحاف فكاهته المقنعة المتسربلة باقصى مظاهر الجدية وهي ميزة لا يمتلكها ادونيس ولن يطالها مهما حاول لأنها كالموهبة يصعب تعلمها من قبل من ولد وعاش معجونا بالتراجيديا لذا سيظل الشاعر السوري عند الاعلام العربي والعالمي خلف وزير العلوج والطراطير بمراحل وهذه بحد ذاتها مأساة مركبة نأمل الا تضطر مهيار الدمشقي الى كسر اكثر من مزراب ليلحق بالشيخ العراقي الوقور وينافسه على قيادة العربة.