مستقبل العراق أم أسلحة الدمار؟

TT

الجدل الذي يدور في بريطانيا والولايات المتحدة عن الأدلة التي استخدمتها حكومتا جورج بوش وتوني بلير عن اسلحة الدمار الشامل العراقية في محاولتهما تبرير الحرب، قد يكون مهماً في البلدين وفي عدد من العواصم الدولية، ولكنه ليس كذلك في العالم العربي.

ففي واشنطن ولندن تعتبر القضية اساسية لتحديد ما اذا كان بوش وبلير قد ضللا الاجهزة التشريعية ووسائل الاعلام وشعبيهما لشن الحرب وهو امر اذا ثبت يمكن ان يؤدي الى اطاحة مسؤولين او يقود اذا تفاقم الى اسقاط الحكومتين. وربما كان الوضع اكثر حرجاً لبلير من بوش لأن الرأي العام البريطاني كان في الاساس اقل تقبلاً لشن الحرب من الرأي العام الأميركي.

أما في العالم العربي فإن الجدل حول هذه الاسلحة يصبح اكاديمياً لأنه لن يسقط حكومة ولن يلغي الحقيقة القائلة بأن عددا من الدول العربية أيد الحرب على الصعيد الرسمي وان الكثيرين الذين عارضوها من ناحية مبدئية رضخوا في النهاية للامر الواقع، وسعوا حتى اللحظة الاخيرة لحل سلمي للأزمة يجنب العراقيين المحنة، لكن الحل تبخر عندما اهدرت المبادرة الاماراتية لتنحي صدام حسين، وعندما طغت المناورات والعنتريات على الساحة لتغطي على المنطق والواقع ولكي تشجع القيادة العراقية على حرب كانت نتيجتها معروفة سلفاً. كما ان القيادة العراقية فضلت التضحية بجيشها والمغامرة بشعبها لأنه لم يكن هناك من يجرؤ على ابلاغ صدام بما كان يتعين عليه فعله، ولأن أعضاء هذه القيادة انشغلوا بالتطبيل والمديح واطلاق الاكاذيب حتى عندما كانت الدبابات الاميركية تدق على ابواب بغداد.

من جانبهم فإن العراقيين يبدون اقل الناس انشغالاً بالجدل اليوم حول ادلة اسلحة الدمار الشامل. فهم رحبوا بغالبيتهم العظمى بسقوط نظام صدام، وانشغلوا منذ سقوط النظام بالكشف عن المقابر الجماعية وبالبحث عن المفقودين في معتقلات الاستخبارات العراقية وبالسعي الى اعادة الامن في انتظار ان تتفق احزابهم السياسية على مستقبل البلد وان ترتفع الى مستوى المسؤولية بما يحقق سرعة العودة الى الاوضاع الطبيعية ويتيح الاتفاق على الدستور والحكم بما يضمن تقصير فترة الاحتلال ويقود الى الآليات التي توفر الامن والاستقرار وتحفظ لبلد متعدد الطوائف ومعقد التركيب وحدته.

ان غالبية العرب يبدون موقنين ان قرار الحرب لم يتخذ بسبب وجود او عدم وجود ادلة على اسلحة الدمار الشامل عند صدام، او التعثر في موضوع التفتيش الدولي، خصوصا بعدما اشارت الكثير من الوثائق والتصريحات الى ان بوش اتخذ قراره المبدئي لاطاحة صدام بعد ايام من احداث سبتمبر (ايلول) التي غيرت تماماً النفسية الاميركية وستظل اثارها تنعكس على سياسات واشنطن لسنوات مقبلة.

والامر الذي يجب أن يشغل العرب اكثر من أي شيء آخر، ليس هو الجدل الدائر حول ادلة اسلحة الدمار، بل مستقبل العراق وضمان سير الامور الآن بالشكل الذي يضمن استقرار هذا البلد ويعيد اليه أمنه ويقصر فترة احتلاله.. وايضاً التفكير في كيف يمكن منع تكرار ما حدث في أي بلد عربي آخر.