عدي وقصي

TT

انشغال قوات التحالف في العراق بإثبات مقتل عدي وقصي نجلي الرئيس المخلوع صدام حسين، يشير إلى الرغبة الواضحة في تحقيق إنجاز يطغى على أخبار المقاومة العراقية المسلحة، أو على أخبار التحقيقات الجارية في الكونغرس الأميركي حول تعاطي القيادة الأميركية مع المعلومات حول أسلحة العراق قبل الحرب، إلا أن قوات التحالف واجهت بمقتلهما تحدياً قانونياً. فبعد انتهاء حالة الحرب رسمياً، حسبما أعلن الرئيس جورج بوش، فإن قتل الأشخاص ليس مبرراً كأسلوب عمل، بينما الاعتقال والمحاكمة هما العمل القانوني والطبيعي. كما واجهت قوات التحالف تحدياً إعلامياً، إذ هي التي نددت طويلاً بالإعلام العراقي الذي كان يعرض صور القتلى الأميركيين أثناء الحرب، وها هي بدورها تخرج عن القاعدة التي رسمتها بنفسها وتعرض صور القتيلين لديها. وتقف هذه الأمور وراء اللغط الدائر حول مقتل عدي وقصي.

إن ما تهتم به قوات التحالف أكثر من غيره، هو أن يؤدي مقتل نجلي صدام إلى تراجع أو توقف عمليات المقاومة ضدها، ومن أجل أن تصبح إقامة هذه القوات في العراق سهلة وميسرة. وهنا قد تقع قوات التحالف في خطأ كبير، فالمناخ الشعبي السائد في العراق، حتى في أوساط الرافضين لنظام صدام حسين، يدعو الى ضرورة خروج قوات التحالف من العراق بأسرع وقت ممكن، مع تهيئة الغطاء الدستوري والقانوني والأمني لتسلم حكومة عراقية شرعية ومنتخبة لشؤون الحكم في البلاد. ومن هذا المنطلق، فإن العراقيين يريدون أن يروا في مقتل عدي وقصي مدخلا لتسريع ما يريدون الحصول عليه، وليس مدخلا لتمديد فترة بقاء قوات التحالف.

إن الشعوب لا تقبل الاحتلال بسهولة، وهي لا ترحب بتواصله واستمراره، وان الشعب العراقي لم يشذ عن هذه القاعدة، بل وجه أكثر من رسالة صريحة إلى قوات التحالف تتضمن هذا المعنى. وحتى الذين يتعاونون مع قوات الاحتلال يصرون على أن هذا التعاون هو من أجل تسريع انتقال العراق إلى وضع يحكم فيه العراقيون أنفسهم بأنفسهم.

إن محاكمة رموز النظام السابق، أمر مطلوب، ليس من أجل الانتقام والتشفي، بل لأن المحاكمات تدين في العادة مواقف مرفوضة، وتكرس الحرص على مواقف يتطلع إليها المجتمع، وتسهم المحاكمات بذلك في تكريس صورة المستقبل.