اهتمت وسائل الاعلام

TT

«أبرزت وسائل الاعلام العالمية»، «اهتمت وسائل الاعلام الغربية والعالمية»، «نقلت وكالات الأنباء العالمية».. كل هذه مرادفات اعتدنا أن نراها في وسائل الاعلام «المحلية». هكذا فانه دائماً نلحظ ونكتشف ونسعد باهتمام وسائل الاعلام العالمية والغربية ـ خاصة الأميركية ـ بالتصريحات التاريخية التي يصرح بها دائماً كل سياسيينا وزعمائنا، والآن أضيف الى القائمة كبار صحفيينا. فلم يعد الأمر يقتصر على مجرد الاشارة في اليوم التالي مباشرة لأي خطاب أو كلمة أو تصريح أو زيارة لسياسي من سياسيينا العرب، الى اهتمام وسائل الاعلام العالمية بهذا الحدث الذي يتكرر دائماً، ولكن الأمر تخطى ذلك الى كبار الصحفيين والكتاب، خاصة الرؤساء منهم ـ أي رؤساء المؤسسات ـ فبمجرد أن يكتب أحدهم مقالاً أو رأياً، وتنقل إحدى مكاتب وكالات الأنباء تلخيصاً لهذا الرأي في إطار قصة تتعلق بموضوع يرتبط بما أدلى برأيه فيه، حتى تطالعنا نفس الصحيفة في اليوم التالي بخبر في صفحتها الأولى تزف إلينا فيه البشرى بأن وكالات الأنباء العالمية اهتمت بمقال الكاتب الرئيسي، ونقلت عنه فقرات مطولة، ويعيد الخبر تذكيرنا بمقال الأمس الذي كان محور حديث العالم كما يحاولون إيهامنا.

أعتقد ـ وأشك أن أكون مخطئاً ـ ان هذه النوعية من الأخبار التي تصدمنا على شاشات التلفزيون، أو التي تواجهنا على الصفحات الأولى من صحف الصباح ـ والمساء أيضا ـ في اليوم التالي لأي تصريح أو خطاب أو زيارة، والتي تؤكد لنا اهتمام العالم بما يقوله سياسيونا، إنما هي هدف في الاتجاه الخاطئ، وأشك كثيراً ـ وأعتقد أنني مصيب ـ أنه لا يوجد من المتلقين البسطاء ـ أمثالي ـ من يهتم بمتابعة أو قراءة مثل هذه الأنباء «المهمة». هذه النوعية من الاهتمام المفتعل لا تحدث إلا أثراً عكسياً لدى البسطاء أمثالي.

نحن لسنا في حاجة إلى البحث عن شهادات من آخرين للتأكيد على أهمية ما نقول أو نفعل، الأهمية تحضر من داخل الفعل وأثره، والاهتمام يتولد من مصداقية ما يقوله زعماء وكتاب لدى المتلقين الأساسيين وهم الناس المحكومون أو القراء.

محاولة البحث عن شهادة من الآخر بأهمية ما نفعل أو نقول تقلل من قيمة ذلك، وأظن أن هذا السلوك هو ميراث اعلامي قديم، قد يكون قديماً قدم اللغة العربية ذاتها، ومع اتساع وتطور وسائل الاعلام زاد أثرها وحضورها.

البحث بملقاط عن صحيفة مجهولة أو اذاعة محلية نقلت أو اهتمت أو أبرزت أياً مما نفعل أو نقول، ثم تقديمه لنا على أنه حضور وتأثير، هو أمر بات من السلوكيات التي أظن أنها مرفوضة ـ ومن يختلف في هذا الرأي معي أرجو إبلاغي على عنوان البريد الالكتروني ـ بل باتت تحدث أثراً عكسياً. وبدلاً من أن يتوقف الزملاء الكبار من الصحفيين الرؤساء ويحاولون تصحيح هذا الوضع، يبدو أنهم استمتعوا أكثر بأن يتقمصوا هم أيضاً الدور، فبات كل ما يقولونه يقع في دائرة اهتمام الاعلام العالمي والغربي.

لا أتوقع أن تنقل أي من وسائل الاعلام العالمي، والغربي أو الأميركي، أي جزء من هذا المقال.

[email protected]