واشنطن قد تقبل بحماس والجهاد الإسلامي كحزبين سياسيين

TT

عندما انتهت زيارة رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) الى واشنطن، توجه هو الى المغرب، وعاد اعضاء من الوفد الذي رافقه مباشرة الى رام الله، لينقلوا الى ياسر عرفات رئيس السلطة الفلسطينية تفاصيل المحادثات الاميركية ـ الفلسطينية. ضم الوفد وزير الشؤون الخارجية نبيل شعث ووزير المالية سلام فياض ووزير الشؤون الامنية محمد دحلان. بعد انتهاء اللقاء اجرى عرفات اتصالا هاتفيا مع الرئيس المصري حسني مبارك وابلغه بنتائج المحادثات «التي اجراها الوفد الفلسطيني في واشنطن».

هذا يعني، انه تمت المحافظة على «الشكليات» التي يصر على ابرازها ابو مازن في علاقته مع عرفات، لكنه يعني ايضا ان الصراع على السلطة وعلى حسم القرار مستمر بينهما ويصب بالتالي في مصلحة الاستراتيجية التي يعتمدها رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون، الذي لن يسرّع خطواته او يشعر بالاضطرار لتسريعها، طالما ان الصراع على السلطة الفلسطينية لم يُحسم.

منذ تقديم واشنطن لخريطة الطريق، وشارون يكرر انه على استعداد للاقدام «على تنازلات مؤلمة من اجل السلام»، وحتى الان لا احد يدرك ما يعنيه شارون، لانه عندما يناقش الوضع الاسرائيلي يعتمد على بيانات عامة تحمل تفسيرات عديدة او يدعو الى نزع اسلحة حماس والجهاد الاسلامي، وهذه دعوة يؤيده فيها غالبية الاسرائيليين و.. الاميركيين ايضا. وبدل ان يطرح شارون اولوياته بالتحديد يترك واشنطن كي تركز على قضايا كبيرة، عبر تصريحات المسؤولين الاميركيين، ويقوم هو بالرد على كل طرح بالشكل الذي يناسبه.ش

هناك مشكلة يواجهها شارون في التعاطي مع اعضاء حكومته، لذلك يهمه اقناع وكسب وزرائه، وهو بمناقشته معهم التنازلات التي سيقدمها للفلسطينيين يوحي لهم انهم يتعاطون بما هو اهم، اي العلاقات الثنائية الاميركية ـ الاسرائيلية وليس بالطلبات الفلسطينية. ومنذ الاعلان عن بنود خريطة الطريق وشارون يتعاطى معها بما يناسبه للبقاء في السلطة. ونجح حتى الان، خصوصا في المحافظة على حكومته المهددة بالتصدع، بابقائها موحدة، وبتجنب اي نقد لاذع من واشنطن، في وقت يحث فيه الفلسطينيين على تقليص نسبة العنف واستئناف المفاوضات.

لكن اثناء استعداد واشنطن لاستقبال محمود عباس والتزامها بانجاحه على الاقل، ضاعفت من ضغوطها على شارون ليتجاوب اكثر وبشكل اوضح مع الطلبات الفلسطينية، خصوصا في ما يتعلق باطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، اذ ترى واشنطن ان دعم هؤلاء السجناء انفسهم لخريطة الطريق اساسي في اقناع بقية الاطراف الفلسطينية بقبول وقف اطلاق النار بين الفلسطينيين واسرائيل الذي رعته واشنطن.

ورغم ان مسألة بناء الجدار الفاصل لم تكن من اولويات الطلبات الفلسطينية اذ سبقتها قضية اطلاق السجناء، رأت واشنطن ان ذلك الجدار يخترق اراضي ابعد من حدود 1967 وبالتالي فان بناءه سينسف المفاوضات المستقبلية حول الحدود النهائية.

كانت خطة شارون، وربما ما زالت، ان يتحرك في المفاوضات بخطى قصيرة وصغيرة، وعند كل خطوة يتوقف ليقيس تأثيرها. وهو لم يكشف ابدا عن خطوطه الحمراء، او عن مفهوم السلام بنظره، كي لا يستغل منافسوه السياسيون الوضع، مع العلم ان دعم الاحزاب اليسارية له، ابقى على حكومته حتى الان، فمنافسوه اليمينيون في الحكومة لا يخافون فقط من فقدان مناصبهم اذا ما انهارت الحكومة، انما مقتنعون بان بقاءهم اعضاء في الحكومة يسمح لهم بمنع شارون من الاقدام على تنازلات، ويبقي حزب العمل الاسرائيلي خارج التحالف الحكومي. الاستفتاءات الاسرائيلية تشير الى ان 70% من الاسرائيليين يؤيدون تقديم تنازلات اضافية الى الفلسطينيين مقابل السلام، لكنهم يؤيدون ايضا بناء الجدار والفصل الكامل مع الفلسطينيين. لكن، وقبل وصول ابو مازن وشارون الى واشنطن كانت الادارة الاميركية تتلقى يوميا من قنصليتها في القدس وسفارتها في تل ابيب تقارير تدعوها للضغط على اسرائيل لتعليق بناء الجدار وتغيير وجهة مروره. وخلال المؤتمر الصحافي الذي عقده بوش مع ابو مازن تبين انه مقتنع بسلبية هذا المشروع، ووصفه بالجدارالذي يتلوى كأفعى داخل اراضي الضفة الغربية، خصوصا انه يمر في الاراضي التي يحرثها الفلاحون الفلسطينيون، ثم ان المسؤولين الاميركيين يعترضون على الجدار، لانه يثبت تمسك اسرائيل بالضفة الغربية، وهذا يخرق اهداف خريطة الطريق التي تهدف الى اقامة الدولة الفلسطينية المؤقتة في نهاية هذا العام. على الاثر قالت اسرائيل انها وافقت على «تأخير» العمل بخطط اكمال الجدار. مما يعني انها ستواصل العمل بالخطط الموضوعة حتى الان، وعند وصول شارون الى واشنطن، كانت الجرافات الاسرائيلية تحفر الارض ما بين مدينتي بيت لحم والقدس لاقامة الجدار. ومن المؤكد انه سيتكرر مع الجدار ما حصل خلال الاسبوع الاول لبداية تطبيق خريطة الطريق، اذ ضغط الفلسطينيون على اخلاء المستوطنات «غير الشرعية» في الضفة، فاخلت بالفعل اسرائيل ثمان منها، ولما تحولت الانظار الى قضية السجناء الفلسطينيين، استغل المستوطنون الامر واقاموا عشرة مواقع جديدة لهم.

يمكن ان ترضخ اسرائيل وتغير مجرى الجدار، بحيث لا يحيد عن حدود 1967، وهي بعد زيارة محمود عباس ازالت ثلاثة حواجز اساسية ما بين رام الله والقدس، ورام الله ونابلس، وبيت لحم والخليل، واعلنت اعادة فتح الطريق الرئيسية بين جنين ونابلس، والمدينتان تعتبرهما اسرائيل معقلين لحماس والجهاد.

من ناحية اخرى تدرس الادارة الاميركية تغيير موقفها تجاه حماس والجهاد الاسلامي، بحيث تقبل بهما كحزبين سياسيين، اذا ما حلا جناحيهما العسكريين. اذ قبل استقبال شارون بدأت الادارة بوضع مسودات لتجنب حل المجموعات الاسلامية الفلسطينية في الضفة وغزة، والهدف دعم محمود عباس وتعبيد الطريق امام اقامة الدولة المؤقتة. وكانت خريطة الطريق دعت الى حل المجموعات الفلسطينية التي تصفها واشنطن بالارهابية. غير ان محمود عباس ابلغ الاميركيين بانه غير قادر على هذه المهمة «الصعبة». حتى الان لم يوافق الرئيس بوش على هذه الفكرة، الا ان المسؤولين في وزارة الخارجية الاميركية وفي مجلس الامن القومي ناقشوا فكرة الابقاء على الحركات الاسلامية مع التفريق بين اجنحتها السياسية وأجنحتها العسكرية، وتهدف هذه الافكار الى الابقاء على حماس كحركة سياسية بعد الغاء جناحها العسكري، ورأت وزارة الخارجية ان نشاطات حماس السياسية والانسانية تساعد على عدم حلها بكل اجنحتها، وابلغ وزير الخارجية كولن باول مؤتمرا صحافيا ان حماس توفر «اعمالا جيدة» للفلسطينيين وبالتالي يمكن «اصلاحها» مضيفا ان اي منظمة تضم جناحا ارهابيا لن يكون لها مكان في عملية السلام، لكن اذا تخلت عن هذا الجناح واعتبرت ان الماضي صار ماضيا فعلا، فانها تصبح منظمة مختلفة، ومدح اعمال حماس الانسانية لكن تأسف لانها مرتبطة «بقتل الناس الابرياء وقتل آمال الفلسطينيين في دولة خاصة بهم». بعض المسؤولين الاميركيين رأوا ان ما ينطبق على حماس لا ينطبق على الجهاد الاسلامي.

قبل وصول شارون قال الناطق باسم البيت الابيض سكوت مكلان «ان الرئيس يعتبر حماس منظمة ارهابية ويجب حلها» لكن من ناحية اخرى ما زالت الادارة تدعم جهود السلطة الفلسطينية لاطلاق سراح سجناء حماس والجهاد الاسلامي، ويمكن ان يصبح هؤلاء النواة الجديدة لحماس والجهاد الاسلامي اللتين تفكر بهما وزارة الخارجية ومجلس الامن القومي الاميركيان.