الفضاء: استمرارية الاستكشاف

TT

بالرغم من انفجار مكوك الفضاء «كولومبيا» في فبراير (شباط) الماضي ومقتل رواده السبعة اثناء عودته الى الارض، الا ان الاميركيين ما زالوا في اغلبيتهم يؤيدون الرحلات المأهولة واكتشاف الفضاء البعيد.

هذا ما اشار اليه الاستطلاع الاخير الذي قامت به وكالة «اسوشييتد برس» الاسبوع الماضي، اذ ان ثلاثة ارباع الاميركيين ما زالوا يؤيدون الرحلات الفضائية واستئناف المكوك لمهماته في القريب العاجل حال صدور نتائج التحقيقات الرسمية اواخر الشهر الحالي في تقرير مفصل ينتظره الجميع على احر من الجمر.

ورغم تضاؤل عدد الناس المؤيدين لرحلات المدنيين لمصلحة العسكريين الذين يعتقدون انهم المادة الصالحة لمثل هذه الرحلات، الا انهم في اغلبيتهم يعتبرون ان اكتشاف الفضاء مدعاة للفخر القومي وإعلاء شأن الولايات المتحدة على الاصعدة كافة.

كما لوحظ ان معظم المثقفين والمتعلمين يؤيدون استمرار الرحلات الاستكشافية، كذلك فئة الشباب والرجال مقابل المسنين والنساء الذين لم يظهروا حماسا بالغا.

اما بالنسبة الى مسألة ارسال انسان الى المريخ في وقت ما من هذا القرن فقد تساوت نسبة التأييد مع نسب المعارضين، رغم ان عدد الرجال المؤيدين كان ضعف عدد النساء.

المهم في كل هذا ان عملية غزو الفضاء ستستمر، مثلما ستستمر عمليات الاستنساخ، سواء عارضت الاغلبية أم لا. وفي اعتقادي ان هذا امر ضروري جدا. فلو توقفت عملية غزو الفضاء لتوقف الكثير من تطور العلوم والتقنية الحديثة. فكما افرز العصر النووي في اواسط الاربعينات العديد من الاكتشافات الحديثة، كذلك افرز عصر الفضاء ولا يزال العديد من الانجازات سواء في الكومبيوتر، او الطب، او الالكترونيات، او المواد والخلائط المعدنية، او في مائة مجال او اكثر من المجالات الاخرى التي تخدم جميعها البشرية على افضل صورة.

ورغم ان البرامج الفضائية الاوروبية والصينية واليابانية على تواضعها قد وضعت جدولا بمشاريعها المقبلة، ومنها رحلات مأهولة، وانزال مركبات على القمر والمريخ، الا انها لا تضاهي الاميركية على صعيد الحجم والانفاق والخبرة المكتسبة. فالاخيرة يبلغ عددها للسنوات القليلة المقبلة نحو المائة مشروع.

الجديد فيها على سبيل الذكر لا الحصر مشروع الطائرة «اكس ـ 43 اي» الفضائية الأسرع من الصوت بأضعاف، واعادة استعمار القمر واقامة مستوطنات علمية عليه، ووضع خريطة مفصلة لثلوج المريخ ومياهه الغائرة في اعماق ارضه، وتصميم صواريخ جديدة حديثة لاطلاق الاقمار الصناعية والمركبات الفضائية.

تبقى مسألة ارسال انسان الى المريخ خلال هذا القرن الشغل الشاغل والاساسي لوكالة الفضاء والطيران الاميركية (ناسا). والغريب ان المشروع الطموح هذا الذي سيكلف آلاف المليارات من الدولارات يحظى ايضا بتأييد نصف الشعب الاميركي، مما يعني انه سيتحقق بلا شك في المستقبل، وهذا امر ممتاز، لأن الاكتشافات من طبيعة الانسان اولا، ثم ان الفوائد والمكاسب على الامد البعيد ستكون كبيرة ايضا، اي بحجم المشروع ذاته، وان كنا الآن لا نقدر مداها ووقعها الكاملين.

يقال ان ثلاثة امور غيرت وجه الانسانية على صعيد التقدم العلمي والتكنولوجي والطبي، وهي الحربان العالميتان الاولى والثانية وانبثاق العصر النووي. الآن جاء اكتشاف الفضاء بكل ثقله ليضيف الى مدارك الانسان بعدا جديدا قد يفوق كل الابعاد الاخرى. وهنا التحدي الكبير الذي قد يقود الانسان الى حضارة جديدة بكل معنى الكلمة.