اخيرا صدر تقرير الكونجرس الامريكي الطويل عن كل ما يتعلق باحداث وملابسات وتداعيات 11 سبتمبر 2001، وعوضا عن مناقشة وتحليل اهم محتويات التقرير، خاصة ما يتعلق منه بتقصير اجهزة الأمن الامريكية في الكشف عن عمليات 11 سبتمبر التخريبية قبل حدوثها، فلقد انشغل السياسيون والاعلاميون الامريكيون بمسألة حجب 28 صفحة من التقرير والتي ادى حجبها وتسليط الاضواء عليها الى اثارة زوبعة اعلامية وسياسية كبيرة في واشنطن في الاسبوع الماضي، ولقد تصدرت الاسباب التي ادت الى بلورة هذه الزوبعة وجود فرق كبير بين المبررات الرسمية التي قدمها البيت الابيض لتوضيح قراره بحجب 28 صفحة من التقرير، وبين التفسيرات والتأويلات الكونجرسية والاعلامية التي سبقت صدور التقرير واستمرت بعده لعدة ايام. ولقد ادى قيام السعودية، بتقديم طلب رسمي الى واشنطن لنشر الصفحات المحجوبة من التقرير الى تفاقم مشكلة الاختلاف بين البيت الابيض والكونجرس حول نشر الاجزاء المحجوبة من التقرير.
وتتمثل الاسباب الرسمية التي قدمها البيت الابيض لتوضيح قراره بمنع نشر 28 صفحة من التقرير في ان هذه الصفحات تتضمن معلومات من شأن نشرها ان يضر بالأمن القومي الامريكي، لأنها قد تؤدي الى كشف بعض المصادر السرية للمعلومات الامريكية والى تنبيه وتحذير بعض الاشخاص والمؤسسات الذين ما زالوا حتى الآن يخضعون للمراقبة بهدف استكمال جمع المعلومات والبيانات الخاصة بعلاقتهم باحداث 11 سبتمبر. ولقد اكد البيت الابيض موقفه هذا في اعقاب تسلم الطلب السعودي الرسمي الذي قدمه وزير الخارجية السعودي للبيت الابيض بكشف الاجزاء المحجوبة من التقرير. ولقد جاء الطلب السعودي كرد فعل طبيعي لتصريحات وتلميحات بعض اعضاء الكونجرس وبعض المحللين السياسيين الامريكيين الذين افادوا بطرق مباشرة وغير مباشرة بأن الصفحات المحجوبة من التقرير تتضمن معلومات تتعلق بوجود علاقة محتملة لاشخاص سعوديين وجمعيات خيرية ومؤسسات تجارية سعودية مع عدد من منفذي احداث 11 سبتمبر الارهابية. فالتقرير في الاصل هو تقرير صادر عن الكونجرس وهو الامر الذي اتاح لبعض اعضاء الكونجرس الاطلاع عليه والتحدث عنه. ولهذا فإن سرية المعلومات الموجودة في صفحاته المحجوبة ليست متوفرة اصلا. فمن المؤكد ان هذه المعلومات قد تم الاطلاع عليها على الاقل من قبل اعضاء لجنة الكونجرس المعنية باعداد التقرير اضافة الى الموظفين الاداريين الذين اشرفوا على جمع بيانات التقرير وصياغتها ونسخها. وفي مثل هذه الحالات فإنه يصعب التكتم على اي معلومات موجودة في التقرير، ويمكننا الافتراض بأن تفاصيل الصفحات المحجوبة قد انتشرت في جميع اروقة الكونجرس وتجاوزته الى بعض اجهزة الاعلام والى ادارات ومؤسسات اخرى في واشنطن. ومن المعروف ان اول اخبار عرفت عن الصفحات الثماني والعشرين المحجوبة ظهرت في مقالة نيوزويك التي سبقت نشر التقرير بحوالي الاسبوع تقريبا. فلا يمكن المحافظة على سرية المعلومات لا في الكونجرس الامريكي ولا في اي برلمان آخر في العالم. هذه احدى الخصائص البرلمانية المعروفة. فإذا كان الكونجرس بوصفه مؤسسة برلمانية غير قادر على اخفاء الاسرار واذا كانت معلومات الـ (28) صفحة المحجوبة معروفة من قبله لأنها صدرت عنه في الاصل فإن حجب هذه الصفحات الآن من قبل البيت الابيض بشكل رسمي، لن يحقق فعليا الهدف المطلوب من الحجب والمتمثل في المحافظة على سرية المعلومات. ولقد رأينا بعض اعضاء الكونجرس فعلا يطلقون لأنفسهم العنان في التحدث عن الصفحات المحجوبة من التقرير وفي تقديم التصريحات والتلميحات التي توجه التهم بشكل مباشر وغير مباشر للسعودية وتحاول ربط بعض افرادها ومؤسساتها الخيرية والتجارية باحداث 11 سبتمبر. واقدمت وكالات الانباء ومحطات التلفاز الامريكية على نقل خبر التقرير ومناقشة وتفسير الاجزاء المحجوبة منه بطرقها واساليبها الاعلامية الخاصة، واشاعت بعض هذه البرامج فكرة ان الرئيس بوش امر بحجب الصفحات الـ (28) المعنية في التقرير لكي يحمي السعودية من الاحراج. وان التأمل في هذه النظرة يوضح حقيقة انها لا تتضمن فقط توجيه اتهام للسعودية بسبب احتمال وجود علاقات لسعوديين اضافيين باحداث 11 سبتمبر. ولكنها تشتمل ايضا على توجيه اتهامات ضمنية للرئيس بوش نفسه. فإذا كان التقرير يتضمن فعلا ولو بنسبة ضئيلة جدا معلومات تفيد باحتمال وجود علاقة لسعوديين ببعض منفذي عمليات 11 سبتمبر، فكيف يمكن القول كما يزعم البعض بأن الرئيس بوش قد أمر بحجب هذه الصفحات لكي يحمي السعودية من الاحراج؟ ان مجرد طرح وقبول هذا المنطق يعني ان الرئيس بوش يعطي لمسألة حماية السعودية من الاحراج اهمية أكبر من الامن الوطني الامريكي. وحقيقة الامر هي ان المعلومات الموجودة في الصفحات المحجوبة، التي تم تسريب اهمها لمجلة نيوزويك لا تشتمل على اي اضافات جديدة. بل هي معلومات قديمة عن البيومي وعن صلته ببعض عناصر القاعدة الذين شاركوا في تفجيرات 11 سبتمبر. وفيها ايضا معلومات قديمة عن احتمال ربط اموال بعض المؤسسات التجارية والجمعيات الخيرية السعودية ببعض عناصر القاعدة. كلها معلومات قديمة جرى ويجري التحقيق فيها من قبل السلطات الامريكية والسلطات السعودية من دون التوصل الى اي نتائج ملموسة. ولمواجهة مزاعم وادعاءات هذه الحملة الكونجرسية والاعلامية اسرعت السعودية التي تعرف تماما حقيقة هذه المعلومات وليس لديها شيء تخفيه حولها سارعت الى تقديم طلب رسمي للادارة الامريكية تطلب فيه نشر جميع صفحات التقرير التي تم حجبها لكي يتم تفنيدها والرد عليها. فلقد وجدت السعودية نفسها بين ادارة امريكية تمتدح الجهود السعودية في مكافحة الارهاب وبين كونجرس يتهمها في تقريره بطرق غير مباشرة بدعم الارهاب. ولهذا فعلى الرغم من تقدير وامتنان السعودية للموقف الرسمي للادارة الامريكية والذي يشيد بجهود السعودية في محاربة الارهاب، الا انها كانت وما زالت تأمل من البيت الابيض ان يسمح بنشر المعلومات المحجوبة من تقرير الكونجرس لكي تعيد الرد عليها من جديد. فربما يحتاج الكونجرس الى التكرار لكي يتأكد من حقيقة الامور ويدركها. وفي هذه المواقف الثلاثة المتباينة فإن السعودية والكونجرس يطالبان ـ لاسباب مختلفة ـ بنشر الاجزاء المحجوبة من التقرير، بينما تستمر الادارة الامريكية في رفضها للأمر وهي حائرة.
بوب ماير صاحب برنامج تلفزيوني TALK SHOW فكاهي سياسي اجتماعي ثقافي يظهر في احدى القنوات الامريكية المشفرة. في الاسبوع الماضي استضافه لاري كنغ في برنامجه الشهير في CNN وسأله في المقابلة عن رأيه في تقرير الكونجرس وفي الصفحات المحجوبة منه. فأجاب ما يفيد بأن السعودية تدعم الارهاب، وان بوش امر بحجب هذه الصفحات لابعاد الحرج عن السعودية، وان السعوديين يثيرون المتاعب في جميع انحاء العالم وانه قرأ مقالة مؤخرا عن المشاكل التي تسببها المدارس الدينية المدعومة من السعودية واندونيسيا. وعندما ذكره لاري كنغ بأن وزير الخارجية السعودي قد طلب نشر جميع صفحات التقرير المحجوبة اجاب بوب ماير بشكل استهزائي واستفزازي قائلا بأن السعودية تعلم ان بوش لن يوافق على نشر الصفحات المحجوبة من التقرير، ولهذا فلقد تقدمت بطلب نشرها ورفع الحظر عنها، ولولا يقين السعودية من موقف بوش ـ كما اضاف ماير ـ لما تقدمت بطلبها الى البيت الابيض وألحت على نشر الصفحات المحجوبة. فالسعودية بالنسبة اليه ليست الا مصدرا للمشاكل وينبغي التعامل معها على هذا الاساس. بوب ماير هو ليبرالي علماني صهيوني يدعم مواقف التطرف الاجتماعي مثل الشذوذ الجنسي ويحب اسرائيل كثيرا وكثيرا جدا وغالبا ما يشيد بالتجربة الاسرائيلية في محاربة الارهاب والتصدي للفلسطينيين ويدعو امريكا للاستفادة منها. ولهذا فإن لديه اكثر من سبب لكره السعودية الدولة المسلمة المحافظة ولمحاربتها ومحاولة تشويه صورتها. بوب ماير يقدم برنامجاً كوميدياً فكاهياً مسيساً يهدف الى التأثير على الامريكيين من خلال اضحاكهم بالنكتة والدعابة. نعم انه يضحك المثقفين الامريكيين كثيرا، لكن صدق من قال: شر البلية ما يُضحك.