مواقفها صحيحة وأداؤها جيد!

TT

تصاعدت الهجمات «الغضنفرية» الظالمة ضد الفضائيات العربية أو ضد فضائيتين عربيتين، على وجه التحديد، بعد أن انضم مساعد وزير الدفاع الأميركي بول وولفيفتز إلى مدعي «القومية» من الكتَبة العرب المتحجرين، وقال في هذه الفضائيات أكثر مما قاله مالك في الخمر وتهددها بالويل والثبور وعظائم الأمور.

اتهم وولفيفتز القناتين العربيتين ببث تحقيقات كاذبة و«بتحريف المعلومات بصورة فظيعة»، وبتشجيع العنف ضد القوات الأميركية، وبالانحياز إلى صدام حسين، وطالبهما باعتماد سياسة متوازنة.

ووجه مساعد وزير الدفاع الأميركي تحذيراً إلى الدول التي قال إنها تدعم هاتين القناتين: «.. على هذه الحكومات أن تتوقف وتدرك أن الأمر ليس لعبة وان ذلك يهدد حياة القوات الأميركية.. إننا نتحدث مع أصحاب هاتين القناتين ونطلب منهم اعتماد تغطية متوازنة».

وفي الوقت ذاته فإن هاتين القناتين تعرضتا، على الرغم مما بينهما من اختلاف في طرق الأداء وأساليب المعالجة الإعلامية والمواقف السياسية أيضاً، إلى سيل جارف من الاتهامات والانتقادات التي تأخذ على هاتين القناتين، انحيازهما للاحتلال الأميركي والترويج له وتبرير الغزو والتهيئة للحرب التي انتهت إلى ما انتهت إليه.

يصف الكتبة المتحجرون الذين يدورون في حلقة مفرغة هي حلقة الولاء لـ «الجُعالات»، التي كانت تصلهم عبر سفارات صدام حسين وسفرائه، والذين لا يقرأون إلا ما يكتبونه ولا يرون في أي رأي مخالف إلا مؤامرة أميركية ـ صهيونية ـ سكناجية، يصف هؤلاء الكتاب الفضائيات العربية، والمقصود «العربية» و«الجزيرة» على وجه التحديد، بأنها «مارينز الإعلام العربي» أو «الناطقة بالعربية»، وفي الحقيقة أنهم يريدونها فضائيات «أم المعارك» و«فدائيي صدام» وحسب مواصفات عبقري زمانه، طه ياسين الجزراوي.

يريد وولفيفتز ان تكون هذه الفضائيات صوت القوات الأميركية الغازية، ويريدها أن تصف هذه القوات بأنها قوات تحرير وليس قوات احتلال كما يريدها أن تعتبر اعمال المقاومة على أنها أحداث «إرهابية» وأن تصف الذين يقومون بهذه الأعمال بالقتلة والمجرمين والإرهابيين.

ويريد الكتبة «الصدّاميون» و«الجزراويون» أن تكون هذه الفضائيات بوقاً للنظام البائد فتغمض عيونها عن المقابر الجماعية وعن بشاعات عدي وقصي والحجة هنا هي انه ما دام ان المواجهة ما بين صدام حسين والولايات المتحدة، فحتى تكون هذه الفضائيات عربية يجب أن تقف مع صدام حسين على الخير والشر ويجب أن تدير ظهرها لكل القوى والأحزاب والمجموعات العراقية المناهضة لهذا النظام قبل انهياره والملاحقة لفلوله بعد تصدعه وهزيمته.

من ليس معنا فهو ضدنا، هذا هو منطق مساعد وزير الدفاع الأميركي وحلفائه والذين يرون رأيه، وهذا هو منطق كتبة «الجُعالات» الصدّامية المصابين بـ «التشمع» الذهني والذين وصل بهم التحجر إلى حد اعتبار ان هجمة وولفيفتز على قناتي «العربية» و«الجزيرة» تأتي في إطار تلميع هاتين القناتين واستجداء شهادات الوطنية والقومية لهما من المشاهدين العرب.

إن ما لا يفهمه لا وولفيفتز وحلفاؤه والذين يرون رأيه ولا «القومجية.. الصدّاميون» وكتبة «الجُعالات» هو أن مهمة الإعلام بكل أجهزته هي مهمة إخبارية والوسيلة الإعلامية الناجحة هي التي تنقل الحقيقة للناس على مختلف مللهم ونحلهم وعلى مختلف مشاربهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية، فالوسيلة الإعلامية ليست حزباً سياسياً وإذا تحولت إلى بوق لأي حزب سياسي ولأي نظام، فإن مصيرها سيكون كمصير الصحف التي انهارت واندثرت مع انهيار الاتحاد السوفياتي ودول الانقلابات العسكرية وانظمة الحزب القائد والرئيس مبعوث العناية الإلهية.

عندما يصل إلى فضائية «العربية» شريط بصوت صدام حسين فإن من حق مشاهديها عليها أن تسارع إلى بث هذا الشريط، وعندما تعلن مجموعة مقاومة عن نفسها مهما كان حجمها ومهما كانت توجهاتها فإن الواجب المهني يقتضي نقل هذا الحدث إلى المشاهدين والمسألة هنا ليست مسألة انحياز سياسي انها مسألة واجب مهني على كل وسيلة إعلامية أن تقوم به خدمة لنفسها ومشاهديها ولرأس المال الخاص الذي يقف خلفها.

وعندما يدلي الحاكم المدني الأميركي في العراق بول بريمر بتصريح، فإن واجب الفضائية الناجحة إزاء مشاهديها أن تنقل هذا التصريح، كما هو وبدون أي تعليق، لأن الناس يريدون ان يعرفوا الحقائق كما هي وبدون أي تدخل أو ليّ أعناق، ولأن من يحاول اخفاء الحقيقة كمن يحاول الاختباء وراء اصبعه.

لا يستطيع وولفيفتز أن يخاطب لا الـ «C.N.N» ولا الـ «بي. بي. سي»، بنفس اللغة والمفردات التي خاطب بها «العربية» و«الجزيرة»، لأنه يعرف أن التدخل في مصداقية الإعلام وحياديته مرفوض من قبل الرأي العام الأميركي والرأي العام الغربي عموما، ولذلك ولأن فكرته المبنية على تقارير المخابرات عن الإعلام العربي أنه إعلام طبل ومزمار وأنه لا يعرف الحيادية ولا شرف المهنة، فقد قال ما قاله وهدد بما هدد به.

لأن «القومجيين» وكتبة «الجُعالات» الصدّامية، يلتقون هم ومساعد وزير الدفاع الأميركي عند نقطة هذه الغضبة الغضنفرية على الفضائيات العربية المستهدفة، فهذا يعني أن موقف هذه الفضائيات صحيح، وهذا يعني أن هذه الفضائيات تقوم بواجبها المهني بكل حيادية وأمانة وأن ولاءها هو للحقيقة ولمشاهديها وليس إلى أي جهة وبخاصة إذا كانت هذه الجهة هي نظام صدام حسين الهمجي البائد أو الغزو الأميركي المرفوض بموجب كل الأعراف والقوانين والشرائع الدولية.

لا شك في أن بعض هذه الفضائيات أصيبت في لحظة من اللحظات خلال هذه الحرب الأخيرة بفقدان التوازن وباختلاط الألوان وبخاصة لجهة الظهور في بعض الأحيان وكأنها جزء من إعلام صدام حسين الذي ما أن انهار النظام البائد حتى تلاحق فرار أباطرته ومسؤوليه إلى الخارج، لكن بصورة عامة يمكن القول إن الفضائيات المذكورة أثبتت جدارة الإعلام العربي ولقد تفوقت في أوقات كثيرة حتى على الفضائيات الغربية المتفوقة.

ان الوسيلة الاعلامية الناجحة هي التي توصل الحقائق كل الحقائق إلى مشاهديها ولذلك ولأن الحقيقة مُرة باستمرار، فإن قولها يغضب أطرافاً كثيرة وهذا ما حدث، إذ بالنتيجة رأينا كيف أن كتبة «الجُعالات» ومساعد وزير الدفاع الأميركي وجدوا أنفسهم في خندق واحد وهو خندق إطلاق النار على الفضائيات العربية التي قدمت الولاء للمهنة على أي ولاء آخر.

لو أن الفضائيات العربية المقصودة لم تواجه بهذه الحملة من الأميركيين و«الصدّاميين» على حد سواء، لكان هناك خطأ كبير في أدائها الإعلامي، أما وان الضدين التقيا عند نقطة كل هذه الغضبة الصارخة ضدها فإن هذا يعني أن مواقفها صحيحة وأن أداءها جيد وأنها منسجمة مع مهمتها ورسالتها.