طالبات عائشة يطالبن بتجديد فقه المرأة في الإسلام

TT

قرأت في الانباء مؤخرا عن كتاب نشره امام مسجد في جنوب اسبانيا حول المرأة في الاسلام، ولقد تضمن الكتاب موضوع ضرب المرأة وعقابها وقدم تفصيلات مستفيضة حول اسباب هذا الضرب واساليبه وانه ينبغي ان لا يحدث جروحا او ندوبا او اوراما في المرأة المضروبة. وعلى الرغم من كل الجهود التي حاولها امام المسجد مؤلف الكتاب لتوضيح مستلزمات وضرورات الضرب وطرقه البسيطة غير المؤلمة، فلقد ادى الكتاب ـ كما قرأت ـ الى اثارة موجة عارمة من الغضب في اسبانيا خاصة بين الجمعيات النسوية الاسبانية. ولقد قرأت مقالا لكاتب اسلامي محافظ ومعتدل ينتقد فيه الكتاب ويتهم مؤلفه الداعية بتقديم صورة مشوهة عن الاسلام. فقد كان اولى بإمام المسجد ـ كما يقول الكاتب الاسلامي المنتقد ـ ان يتحدث عن التدرج الذي امرنا به الاسلام من الزجر ثم الهجر في المضاجع ثم الضرب والذي وصفه عبد الله بن عباس بأن اداته (السواك) او المنديل، وخلص منتقد الكتاب الى القول بأن مثل هذه الكتابات «تخدم مخططات المعادين لهذه الامة».

ومع كامل تقديري للكاتب الاسلامي المنتقد الذي تربطني به زمالة وصداقة وثيقة تجعلني على معرفة تامة بحرصه الشديد على توضيح الاسلام الصحيح لغير المسلمين وخاصة في الغرب، فإن قضية المرأة في الاسلام وكيف ينظر المسلمون وغير المسلمين لعلاقة الرجل بالمرأة في الاسلام هي قضية معقدة قديمة جديدة وتحتاج الى معالجة فقهية وفكرية جادة من جميع فقهاء ومفكري العالم الاسلامي. فمسألة ضرب المرأة في الاسلام على وجه التحديد وكيف ينظر لها ابناء الغرب لم يعد بالامكان مناقشتها مع غير المسلمين ومع الكثيرات من المسلمات ايضا ضمن منهج الضرورة والمبررات وتوضيح اساليب الضرب البسيطة غير المؤلمة. فالنقد موجه لمبدأ ولفكرة الاهانة التي تلحق بالمرأة نتيجة الضرب مهما كان ناعما ومهما كان غير مؤلم. فلا محاولة مؤلف الكتاب الخاصة بذكر اسباب وضرورات واساليب الضرب ولا محاولة ناقد الكتاب الخاصة بذكر مسألة التدرج من الزجر الى الهجر ثم الضرب كافيتان الآن في مطلع القرن الواحد والعشرين لمناقشة هذه المسألة الشائكة مع ابناء الغرب وتوضيحها لهم. قبل عدة سنوات شاركت مع مجموعة من الاساتذة العرب والمسلمين في ندوة عن الاسلام والغرب نظمتها جامعة واشنطن في مدينة سياتل الامريكية. واثناء المناقشات التي اعقبت تقديم البحوث وجه احد اساتذة الجامعة، وكان تركيا مسلما كما قدم نفسه، سؤالا للمحاضرين المسلمين، وكنت واحدا منهم، عن رأيهم في مسألة ضرب الرجل للمرأة في الاسلام. فتعددت اجابات المتخصصين في الشريعة منهم والتي تضمنت توضيح اسباب ومبررات ضرب المرأة، وعندما استخدم احد اساتذة الشريعة قلمه وضرب يده ضربات خفيفة وقال للحضور: «هكذا يكون ضرب المرأة في الاسلام خفيفا غير موجع»، انفجرت القاعة بالضحك والاستغراب. وطلبت احدى المشاركات الاوربيات في الندوة من المحاضرين المسلمين تقديم اجابات افضل. فأطروحات التبرير والتوضيح لم تكن مقبولة بسبب وجود رفض اساسي بين مثقفي الغرب لمبدأ ضرب المرأة نفسه كما ذكرت آنفا. وافضل اجابة سمعتها في تلك الندوة من أحد المحاضرين المسلمين على هذه المسألة لم تحاول تقديم اي مبررات او توضيحات لقضية ضرب الرجل للمرأة في الاسلام ولكنها اكتفت بالتنويه الى ان ضرب الرجال للنساء في امريكا يفوق بكثير ضرب الرجال للنساء في اي مجتمع اسلامي. وفي أحد المؤتمرات السنوية التي تعقدها الجمعية الامريكية لدراسات الشرق الاوسط (الميسا) والذي انعقد في واشنطن قبل عدة سنوات، اذكر انني رأيت مجموعة من الشابات المسلمات وهن يوزعن على المشاركين في المؤتمر فتوى صادرة عن أحد علماء المسلمين المقيمين في كندا تحكم بتحريم ضرب الرجال للنساء. وقد سمعت في نفس المؤتمر مسلمة امريكية افريقية تنتمي لجماعة البلاليين تطالب علماء المسلمين بتحريم ضرب الرجال للنساء وذلك بالاعتماد على نفس الاساس الشرعي الذي تم فيه تحريم الرق في الاسلام. فلقد حرص الاسلام على تحريم الرق ـ كما ذكرت ـ استنادا الى الاصل الاسلامي الشرعي القاضي بتحقيق المساواة بين الناس. ولكن العبودية استمرت بالرغم من ذلك لفترة طويلة من التاريخ الاسلامي حتى اقدم العلماء على تحريمها بشكل قطعي. فلقد كان وجود الرق في التاريخ الاسلامي استثناء مرحليا ظرفيا ولم يكن مبنيا على اصل شرعي بالرغم من محاولة البعض الادعاء بان الشريعة الاسلامية تبيح الرق. فالمساواة بين الناس هي حكم واصل شرعي في الاسلام وعليه استند العلماء في تحريم الرق. وان علماء المسلمين كما قالت الباحثة البلالية مطالبون اليوم بالاعتماد على هذا الاصل الشرعي الرئيسي القاضي بالمساواة بين الناس وبالمساواة بين المرأة والرجل لكي يصدروا احكامهم بتحريم ضرب الرجال للنساء في الاسلام. فكيف تكون هناك مساواة بين الناس اذا لم تكن هناك مساواة بين الرجال والنساء؟ وكيف تكون هناك مساواة بين الرجال والنساء في ظل وضع يعتقد فيه الرجال ان الشرع يبيح لهم ضرب نسائهم؟

ان قضية المرأة في الاسلام والجدل حولها بين المسلمين والغرب وبين المسلمين انفسهم هي قضية قديمة تعود الى القرن التاسع عشر وتتضمن نقاطا وجزئيات كثيرة ولا تقتصر فقط على موقف الاسلام من مسألة ضرب الرجال للنساء. وفي اواخر عام 1994 افردت مجلة الايكونومست البريطانية الشهيرة عددا خاصا لمناقشة موضوع الاسلام والغرب، ولم تكن عندها عمليات ارهاب القاعدة قد استفحلت. وذكرت الايكونومست في احدى مقالات ذلك العدد ان معالجة مشاكل المرأة في الاسلام هي المتطلب الثاني الذي ينبغي تحقيقه في العالم الاسلامي بعد التكيف والتطور الاقتصادي وذلك لكي تتوفر اسس وشروط التعايش والتفاعل بين المسلمين والغرب. ويلاحظ ان المتطلب الاول والاهم لتحقيق هذا التفاعل والتعايش في الوقت الحاضر اصبح يتمثل في القضاء على تطرف وارهاب بعض الحركات التي تدعي الاسلام. ولكن مسألة التطرف والارهاب هي ظاهرة عابرة في المجتمعات الاسلامية ولن تدوم طويلا واما قضية المرأة فسوف تبقى قائمة، لأنها تمتد الى جذور اجتماعية قديمة وتحتاج الى معالجة اساسية. وان معالجة قضية المرأة في الاسلام لا ينبغي ان تحدث لأن الغرب ومنظمات حقوق الانسان في العالم يطالبون بتحقيق المساواة بين الرجال والنساء في العالم الاسلامي ولكنها ينبغي ان تحدث لوجود اسباب ومتطلبات في المجتمعات الاسلامية تستدعي حدوثها. فهناك ضرورات اجتماعية وسياسية واقتصادية تستلزم معالجة مشاكل المرأة في العالم الاسلامي. فالمجتمعات الاسلامية تعاني من خسارة اقتصادية كبيرة لأن نصف طاقاتها الاقتصادية البشرية معطلة او غير مستثمرة بالشكل الامثل. ولكي نبدأ في معالجة مشكلة المرأة في الدول الاسلامية ينبغي ان نعترف بوجود المشكلة اولا ولا نوهم انفسنا بأن وضع المرأة في مجتمعاتنا الاسلامية هو افضل من المجتمعات الاخرى. صحيح ان الشريعة الاسلامية قد اعطت المرأة في الاسلام حقوقا لم تتمتع بها نساء الغرب حتى الآن، ولكن الممارسات الفعلية في بعض المجتمعات الاسلامية قد حكمت على الكثير من هذه الحقوق بوقف التنفيذ. لقد سمعت هذه المقولة من مجموعة متزايدة من الفتيات المسلمات اللائي يتحدثن في مؤتمرات دولية ويطالبن باعادة فهم بعض النصوص الشرعية المتعلقة بالمرأة لأن بعض تفسيراتها الحالية ـ كما يعتقدن ـ تسهم في تدعيم بعض المفاهيم غير الصحيحة عن وضع المرأة في الاسلام. وبعضهن ـ مثل الدكتورة رفعت حسن عضو هيئة التدريس في جامعة لوتيل الامريكية ـ يعتقدن ان القيام بهذه المهمة الشاقة لن يتحقق بالشكل الامثل الا اذا تبنته النساء المسلمات انفسهن. ولهذا فإن بعض المفكرات المسلمات الجدد يتوجهن بالدعوة للنساء المسلمات للتخصص بالشريعة لفهم الموقف الاسلامي الصحيح من المرأة. انها دعوة تطالب بوجود فقيهات في الاسلام يسرن على نهج عائشة رضي الله عنها زوج الرسول صلى الله عليه وسلم. ولقد لفت انتباهي سماع بعض الفتيات المسلمات يستشهدن في بعض المؤتمرات الدولية بأقوال السيدة عائشة التي ترفض رواية الحديث الخاص بالتشاؤم من المرأة وتقدم رواية اخرى مغايرة لها. هذه الدعوة الجديدة لاعادة فهم بعض التفسيرات الخاصة بالمرأة في الاسلام والصادرة عن طالبات مدرسة عائشة ـ اذا صح التعبير ـ ينبغي ان تحظى بأهمية خاصة في العالم الاسلامي وان تحظى بانتباه علماء المسلمين. ولا يمكن النظر لهذه المطالب ضمن سياق المؤامرة على المرأة وقيمها واخلاقها في العالم الاسلامي. فعندما تقف خمس مسلمات محجبات في احد المؤتمرات الدولية احداهن كندية من اصل لبناني والثانية امريكية افريقية والثالثة سيدة اعمال من ماليزيا والرابعة فرنسية تونسية والخامسة طالبة مصرية ويطالبن بتجديد فقه المرأة في الاسلام فلا يمكن ـ كما اعتقد ـ تجاهل هذه الدعوة او الاعتقاد بأن القصد منها هو معاداة الامة الاسلامية او الهجوم على الاسلام. وعندما تنتقد مثل هؤلاء الفتيات المسلمات الملتزمات وضع المرأة الاقتصادي والاجتماعي والوظيفي في الدول الاسلامية فلا يمكن وصف انتقادهن ودعوتهن للاصلاح بأنها جزء من مؤامرة على المرأة في الاسلام. فلقد خذلتهن المؤسسات الاسلامية التقليدية المحافظة فاتجهن الى المؤتمرات العلمية الدولية للتعبير عن انفسهن وعن افكارهن. فهل يتنبه علماء العالم الاسلامي لضرورة واهمية الاستماع لاصواتهن التي تطالب بتجديد فقه المرأة في الاسلام؟