الأسود والأبيض

TT

صورت قبل آونة زميلة سمراء وبعثت اليها بالبريد الصورة الفوتوغرافية. ردت علي برسالة شكر مع صورة اخرى لها. لم افهم لماذا فعلت ذلك. ولكن بعد ان قارنت الصورتين وجدت السبب. الصورة التي اخذتها انا كانت تميل الى السواد والصورة التي بعثت بها لي كانت تميل الى البياض. استأنست وضحكت. كانت تحاول ان تذكرني بأنها اقل سمرة واقرب الى البياض مما صورتها. هذه مشكلة ابدية في تراثنا: النزاع بين الابيض والاسود. صيغت بشأنه اغان واشعار وحكايات كثيرة. منها اغنية حضيري ابو عزيز «الابيض ما يريدونه يريدون الاسمر». وهذه مكرمة من المطرب الكبير، فالحقيقة هي ان جمهورنا يفضل الابيض. عانى من ذلك كثيرا امام العبد الذي انطبق لونه على لقبه. وبلغ من نقمته على لونه انه لم يجرؤ على الزواج. سأله عن ذلك صديقه الشاعر حافظ ابراهيم، لماذا لم تتزوج فأجابه قائلا:

يا خليلي وانت خير خليل

لا تلم راهبا بغير دليل

انا ليل وكل حسناء شمس

فاجتماعي بها من المستحيل

وكان حافظ ابراهيم بالذات، الذي سخر من لونه الاسود عندما كان العبد يكتب بالريشة وسقطت قطرة من الحبر على الورقة، فقال له حافظ ابراهيم: «نشف عرقك يا امام».

وظل هذا المنكت الظريف المتميز موضوعا للتنكيت البريء والظرف الاصيل. قال له صديقه محمود غنيم ما رأيك يا امام في قصيدة المتنبي التي مطلعها:

عيد بأية حال عدت يا عيد

بما مضى أم لأمر فيك تجديد

ادرك امام العبد ان صديقه يريد ان يغمز من قناته بالاشارة الى البيت الشهير:

لا تشتر العبد الا والعصا معه

ان العبيد لانجاس مناكيد

فانتبه لغرض صاحبه محمود غنيم فرد عليه وقال: ايوه! إنها قصيدة رائعة بدون شك ولا سيما البيت الذي يقول فيه المتنبي:

ما كنت احسبني احيا الى زمن

يسيئني فيه كلب وهو محمود

ومن الواضح ان لونه ظل من مشاغله في حياته، ففي مناسبة أخرى عاد الى هذا الموضوع عندما وجده احد اصدقائه لابسا رباطا («كرافته») احمر فسأله عن سر انتقائه هذا اللون الصارخ فأجابه بقوله: «علشان يعرف الناس اين ينتهي جسمي واين يبدأ رأسي».

في مناسبة اخرى استبدل الرباط الاحمر بآخر اسود، ثم روى عن ذلك فقال: رآني احد اخواني وانا بهذه الكرافته السوداء فحسب اني نسيت ان ازرر قميصي وتركت صدري مكشوفا فذكرني وطلب مني ان أشد أزرار القميص.

بالطبع من السهل لاديب ظريف ان يستملح ويتندر على لون بشرته الداكنة، لكن احذر ان تطبق ذلك على المرأة لأن لون بشرتها ليس موضوعا للتنكيت.