الاحتكام إلى الشرعية

TT

في مكالمة هاتفية أجريتها مع رئيس الوزراء الفلسطيني محمود عباس، إثر اغتيال المهندس اسماعيل أبوشنب، أدركت مجدداً عمق الهوّة بين واقع الحال في فلسطين من جهة، والسلام المنشود من جهة أخرى. وأدركت أيضاً أن أبو مازن يعيش حالة إحباط غير مسبوقة.

في يقيني ان أبو مازن محقّ في غضبه ومحق في إحباطه وفي قرفه مما يجري على الساحة الفلسطينية والإسرائيلية، وانه قد يترك كل شيء إذا بقيت الحال على ما هي عليه، كما أوحى لي.

لقد اصطدم أبو مازن بالجبروت الإسرائيلي واللامبالاة الأميركية وبإصرار بعض الفلسطينيين على أن تكون القوة الحل الوحيد. والرجل يملك من الوقائع ما يؤكد أن أهدافه السلمية لم تلاق الصدى الموعود في كل من واشنطن وتل أبيب.

ذهب أبو مازن إلى البيت الأبيض وفي جعبته أكبر وأثمن هدية يمكن أن يقدمها فلسطيني للرئيس بوش، كي يستعين بها في تحقيق هدفه في رئاسة ثانية. وربما في مساعيه الرامية إلى إقامة السلام بين فلسطين حرة مستقلة واسرائيل. وهي وعد من عباس مبني على وعد صادق من جميع المنظمات الفلسطينية المعارضة بتنفيذ هدنة مع إسرائيل لا يطلق فلسطيني خلالها طلقة واحدة، وكان أبو مازن يأمل أن يقابله الرئيس بوش بوعد قاطع بأن يردع شارون عن مواصلة مخططه الحربي، وأن يمنعه من مواصلة القتل والاغتيال والاعتقال والاستمرار في بناء المستوطنات والجدار العنصري، لكن أبو مازن لم يسمع من الرئيس بوش سوى قليل من المديح، والكثير من النقد والتحريض على ضرب المنظمات الفلسطينية المعارضة. وعاد أبو مازن من واشنطن مدركاً تمام الإدراك، أن الإدارة الأمريكية شأنها شأن حكومة شارون، تطالب بمذبحة أهلية فلسطينية، ومع ذلك، بل ورغم ذلك، قرر أبو مازن أن يواصل الحوار مع الإدارة الأمريكية، ظناً منه أن الأيام والظروف سوف تقنع بوش بأن الفلسطينيين جادون في التحرك نحو السلام، وأن شارون هو الطرف الذي يريد ان يستغل الظروف الدولية والإقليمية كي يبتلع ما يستطيع ابتلاعه من الحقوق والأراضي الفلسطينية.

غير أن الوضع عاد إلى نقطة الصفر بعد قيام شارون بتنفيذ ما كان يعرفه أبو مازن ويخشاه، ولم يعد أحد قادر على الإمساك بخيوط اللعبة، أو معرفة الرابح فيها من الخاسر. فلقد كان اللاعبون جميعاً يقامرون على المستقبل بشكل لم يسبق له مثيل.

في واشنطن يسعى الرئيس بوش إلى الفوز بولاية ثانية، فإذا كان تحقيق هذا الهدف يتم عن طريق إسرائيل قوية وتوسعية.. أو من خلال تكسير عظام الشعب الفلسطيني والعراقي والعربي، فلا بأس من ذلك.

وفي تل أبيب، يسعى شارون أيضاً، إلى ولاية ثانية مربوطة حكماً بمسعى بوش بأن شارون يريد أن يلعبها مع بوش على طريقته، تضرب أنت العراق والعرب، وأتولى أنا الفلسطينيين الى ان يخضع الجميع في شرق اوسط يصبح لنا.

وأما في فلسطين، فالفلسطينيون فريقان رسميان، وثلاثمائة فريق غير رسمي، هنالك السلطة الفلسطينية، وهناك المعارضة، وهناك عشرات القوى والعنتريات، والصامتين أيضاً. فإذا فاز بوش فسوف يفوز شارون حكماً ويخسر هؤلاء جميعاً، وإذا فشل بوش لا يخسر شارون شيئاً، بل ربما سيكون الرابح الأكبر.

أما الفلسطينيون فسيكونون أكبر الخاسرين، هنا بالذات يمكننا أن نفهم مشاعر الاحباط لدى أبو مازن، الذي سيلجأ إلى المؤسسات الشرعية للاحتكام وتقرير وجهة سير الفلسطينيين في مرحلة لاحقة.