سجن مختلف

TT

سمحت إدارة سجن بارليني في جلاسجو بعد ثلاثة أيام من المنع لعبد الباسط المقرحي ان يطلع على عدد «الشرق الأوسط» الذي احتوى على لقائي به، وهو اللقاء الذي تم باعتباري صديقا للأسرة. حاولت لقاءه هذه المرة الاسبوع الماضي، لكن نصحني بعض المحامين بتأجيل هذه الزيارة لأن ادارة السجن قد تكون متحفزة بسبب نشر اللقاء مع عبد الباسط ضد قواعد السجن.

أتاني صوت عبد الباسط عبر الهاتف يشكرني على زيارة أسرته، وما زال يشكو وسيظل يشكو من الظلم الواقع عليه ويستخدم دائما عبارته التي كررها معي مرات عدة، وبالتأكيد يفعل هذا مع كل من يتحدث اليه. عبارته تقول: «ان جوهر المشكلة عندما يكون الخصم هو الحكم».

ما زال عبد الباسط يأمل ويعمل من أجل الوصول الى حل لوضعه الذي بات يواجهه، يعد حاليا للتقدم الى لجنة مراجعة الاحكام البريطانية، يجتمع بشكل شبه يومي مع محاميه ومع موظفي القنصلية الليبية في جلاسجو، والتي عملها الرئيسي ـ ان لم يكن الوحيد ـ هو قضية عبد الباسط. ولمست ان وجود هؤلاء يشكل تخفيفا كبيرا على عبد الباسط.

قد يكون الحل قضائيا سواء بالتبرئة أو العفو هو الاحتمال الأبعد، إلا ان الظروف الآن تبدو اكثر تهيؤا لحل سياسي في اطار التطورات المهمة التي تشهدها ساحة العلاقات الليبية الامريكية، والعلاقات الليبية الغربية بشكل عام. وهذا الحل يكمن في ما سبق ان طرحه نيلسون مانديلا مطلع هذا العام عندما زار عبد الباسط في سجنه وطالب بنقله الى دولة اسلامية لقضاء ما تبقى له من عقوبة، وهو الاقتراح الذي قوبل برفض كامل وقتها من الصحافة الاسكتلندية وأهالي الضحايا، ولكن هذه المرة عندما طرح هذا الموضوع مرة أخرى عقب التوصل الى الاتفاق مع الولايات المتحدة وبريطانيا فإن استقباله لم يكن بالرفض المطلق، وانما ساد قدر من الترقب لما ستسفر عنه الأيام.

وعبد الباسط قال لي عبر الهاتف ان مدير السجن بادر بالحديث اليه بعد نشر امكانية نقله الى سجن في بلد اسلامي لينصحه بألا يصدق كلام الصحافة لأنه جزء من الاتفاق الذي تم، وكان رد عبد الباسط له ـ كما ذكر لي ـ انك لست صاحب القرار في بريطانيا.

الأكيد ان السجون العربية لن تكون بمستوى سجن بارليني، وكما قال العديد من الكتاب فإن عبد الباسط في بارليني يملك من الحقوق ما يحسده عليها مواطنون عرب في بلادهم لا مسجونون، ولكن عبد الباسط يرد على ذلك بقوله بأن كرامة الانسان هي الأهم هنا، يكفي ـ على حد قوله ـ ان في اي بلد اسلامي أو عربي فإن جو العداء سوف ينتفي، وامكانية التفاهم مع الجو المحيط اعلى، اضافة الى ان الاهل والاصدقاء سوف يكونون أقرب. كل هذه اضافات يراها ويفتقدها عبد الباسط الذي يقول: «ان تكون مسجونا خارج بلدك فهذه عقوبة اضافية».

ما زال عبد الباسط غارقا في تفاصيل قضيته ودراستها مع نفسه ومع محاميه، وما زالت عائلته قريبة منه وبعيدة في ذات الوقت، وما زال يبحث عن عدالة افتقدها مرات عدة ويدفع ثمنا لسياسة هي أكبر منه ومن عائلته، ويأمل في ان تكون ذات السياسة هي الطريق الذي يخرج منه من بارليني الى أي بقعة ليس غريبا عنها.