متشائل؟ كلا بل متفائل

TT

كلما توالت الضربات الارهابية في العراق وازدادت تنظيما وبأسا، كما حدث في النجف، ازداد تشاؤم واكتئاب المراقبين والصحافيين، وايضا الكثير من العراقيين. غير انني أجد نفسي اسير في اتجاه معاكس. أجد هذه الأحداث تزيدني تفاؤلا. بعد ضرب مقر الأمم المتحدة، استبشر أعداء الشعب العراقي من المثقفين العرب بأنها ستكون مقدمة لفرض الانسحاب على قوات التحالف. كتبت فقلت بل بالعكس ستزيد من عزمها على البقاء وتعزيز مواقعها. وهو ما حدث. فالمساعي جارية الآن في واشنطن ونيويورك ولندن للمجيء بقوات اضافية وتخصيص مبالغ اكبر لادارة العراق. ازداد هذا الموقف صلابة بعد حادثة النجف. لماذا؟

كشفت الحادثتان عن تسرب عناصر اجنبية اصولية مرتبطة بالقاعدة. يعني ذلك انها تسعى لتحويل العراق الى قاعدة جديدة للارهاب العالمي ومحاربة الغرب. الدول الغربية من ناحيتها تبذل قصارها لتصفية هذا النشاط، وبالتالي لن تسمح بتحول العراق الى مثل هذه القاعدة. إذن فسيصبح ساحة المعركة لهذين المعسكرين. الأصولية الجهادية من ناحية واللبرالية الغربية من ناحية أخرى. وهذه هي فرصة الغرب لتسديد الضربة القاضية للإرهاب الاصولي. وسينجح بها لأن الاصوليين اختاروا ساحة غير مؤاتية لهم. فلا بد لحرب العصابات والارهاب لتنجح ان تعمل مثل السمك في الماء على حد قول موتسي تونغ. والساحة التي يريد هؤلاء العمل فيها (جنوب ووسط العراق) يسكنها الشيعة المعادون لصدام ولهؤلاء المتسللين من الجنوب والغرب. وهم على تحالف مع الادارة القائمة. لن يحصلوا منهم على أي مساندة، بل بالعكس، هؤلاء الاصوليون اجانب وسيسهل على العراقيين اكتشافهم بسرعة حالما يفتحون فمهم بكلمة فينبهون الشرطة الى وجودهم، كما حدث في النجف. جنوب العراق ارض مكشوفة منبسطة لا شيء فيها من جبال افغانستان أو غابات فيتنام وافريقيا، سيسهل جدا رصد حركاتهم وابادتهم واعتقالهم وكشف مخططاتهم. ونحن الآن على ابواب الشتاء والربيع، حيث ستعمل قوات التحالف بكفاءة اكبر.. نقطة التفاؤل الأخرى هي ان العراقيين اثبتوا نضوجهم السياسي والفكري، عبر هذه الاحداث. لم تقع الحرب الاهلية التي توقعها المراقبون بين السنة والشيعة أو العرب والاكراد. والحوادث التي جرت زادت من هذا التلاحم. لم يقم اي منهم بشيء ضد الآخر. واكتشفت الاكثرية الشيعية ان اعداءها هم الاجانب وازلام صدام. ولا شيء يزيد من وحدة الشعب اكثر من وجود عناصر اجنبية تهدد حياته.

اصبح من الواضح للشعب الآن ان مخطط صدام هو نشر الفوضى والجريمة واختلال الأمن وحرمان البلاد من الخدمات، الماء والكهرباء والمجاري، وزيادة الفقر بمنع تصدير النفط، حتى يصبح العراق جحيما لا يستطيع احد ان يحكمه غير هو فيعود الى الحكم. اذا كان هناك من يشك في لؤم هذا الرجل واستهتاره بمقدرات شعبه، فقد آن لهم الآن ان يتخلوا عن شكوكهم ويعرفوا أي فرعون هو، وبالتالي عليهم ان يبادروا للاندماج بهذه المساعي الرامية للقضاء عليه وعلى خطر عودته. اصبحنا الآن أمام هذا المفترق الذي ليس في صالح صدام ولا حلفائه الاصوليين. وهو ان الامريكان والغربيين يسعون لحماية امن الشعب واعادة بناء بلده، وهو وازلامه يحاولون نشر الجريمة وسفك الدماء ومنع الشعب من ذوق طعم الراحة والأمن والرخاء. من هذا الادراك ستنطلق الارادة للتعاون مع الادارة الحالية ورد كيد المغرضين والمختلين عقليا والمأجورين ماديا. ومن هذا المنطلق سيمضي العراق قدما لبناء حياة جديدة ومجتمع متضامن متحد.