اقتراع محلي ذو رهانات وطنية

TT

رغم طابعه المحلي، الذي يتوخى بالأساس، انتقاء النخب التي ستتولى تدبير الشأن المحلي، فان الاقتراع الذي سيجري بالمغرب يوم 12 سبتمبر (ايلول) المقبل لا يخلو من رهانات وطنية مرتبطة به كآلية سياسية، او متعلقة بالظرفية التي يتم فيها.

من الناحية الاولى، ليست هذه الانتخابات محطة نهائية في حد ذاتها، بل انها تشكل حلقة في المسلسل الذي سيكتمل بانتخاب ثلث مجلس المستشارين، الذي يمثل الغرفة الثانية في البرلمان المغربي. وهي بذلك، ترسم بعض ملامح خريطة هذه المؤسسة التشريعية، التي لم يحسم النقاش بعد حول مكانتها ودورها ومدى ملاءمتها للمجتمع المغربي. ومن ثم، فان حماس بعض القيادات الحزبية للمشاركة في هذا الاقتراع، قد لا يهدف، فقط، الى الاضطلاع بمسؤوليات على هذا المستوى، بل بالنسبة للبعض ايضا التموقع للحصول على مقعد في الغرفة الثانية. في السياق نفسه، فان هذه الانتخابات تجري في ظل ميثاق محلي جديد، وهو الذي عوض ميثاق 1976، الذي وسع من اختصاصات الجماعات المحلية حتى تتمكن من ان تكون قاطرة فعلية للتنمية، وان تكون بالتالي، محققة للديموقراطية المحلية التي اصبحت الاكثر تجسيدا لما يسمى سياسة القرب. وعلاوة على ذلك، فان هذا الاستحقاق يتم في اطار يتوخى تحقيق وحدة المدينة بالنسبة للمدن الكبرى، من خلال مجلس جماعي يترأسه ما يمكن وصفه بالعمدة، ومجالس مقاطعات لها اختصاصات تسييرية محضة ومحدودة. ويتم ذلك من خلال نمط اقتراع مزدوج بين الاقتراع الاحدي الاسمي والاقتراع باللائحة، الذي سيتم تطبيقه في الجماعات التي يتجاوز عدد سكانها 25 الف نسمة. وهو الاقتراع نفسه الذي تم تطبيقه في الانتخابات المتعلقة بمجلس النواب التي جرت في 27 سبتمبر الماضي.

ومن الواضح ان استيعاب هذا النمط وإدماجه في الثقافة السياسية المغربية، ما زالت تعترضه صعوبات واضحة، كما بينت ذلك ردود الفعل التي خلفتها مساطر انتقاء مرشحي الاحزاب، لاسيما ما يسمى وكلاء اللوائح.

لكن اهمية هذا الاقتراع لا ترتبط فقط بالجوانب التدبيرية المحلية، بل إن كل اقتراع له رهانات وطنية.

وتتم هذه الانتخابات في ظروف صعبة بالنسبة للمغرب، تتميز اساسا بمواجهة تحديات الوحدة الترابية، حيث ان استرجاع المناطق الجنوبية ما زال يصطدم بمخططات الخصوم في النيل من هذا المشروع، كما تجلى ذلك من خلال مخطط جيمس بيكر الاخير، الذي بذلت الدبلوماسية المغربية، بتحرك مباشر من جلالة الملك محمد السادس، جهودا كبيرة للحيلولة دون تبني مجلس الامن لمقتضياته. وتبرز العلاقة بين هذا الاستحقاق وهذه القضية، في ان الدعوة المغربية الى حل المشكلة في اطار الجهوية لا يمكن ان تجد معناها، الا في اطار انتخابات نزيهة يمكن ان تفرز نخباً قادرة على تحقيق الديموقراطية والتنمية المستدامة في هذه المناطق، في ظل السيادة المغربية.

والى جانب هذا التحدي، الذي تجمع كافة القوى على رفعه، فان هذه الانتخابات تتم في ظل تداعيات احداث 16 مايو (ايار) الماضي، التي شكلت صدمة كبيرة بالنسبة للمجتمع المغربي. ومن دون الرجوع الى كل ما قيل حول اسبابها، فمن الواضح ان تحصين المجتمعات من كافة اشكال التطرف، لا يتم الا في اطار انظمة تتوخى، ما أمكن، تحقيق العدالة الاجتماعية من خلال التقليص من الفوارق الصارخة، وإذكاء التخليق في تدبير الشأن العام، وتمتيع المواطنين من فوائد التنمية، وهو امر لا يمكن ان يتحقق الا من خلال تدبير رشيد وعقلاني للموارد، وكذلك عن طريق تخيل وإبداع مشاريع قادرة على توسيع مصادر الثروة الوطنية. ومن هنا تأتي مسؤولية الاحزاب في افراز نخب لا تتوخى فقط، الارتقاء بالمسؤوليات، بل تتوفر على الامكانيات اللازمة لذلك. ومن المؤكد ان هذا الهدف ما زال يشكل مشروعا يتطلب الكثير من الاصلاحات القانونية والهيكلية، حتى تتحول الاحزاب الى الحداثة المنشودة إسوة بما هو عليه الامر في الدول المتقدمة. وإن كان هذا الامر لا يمنع من القول ان احداث 16 مايو قد اوقفت ما كان يسمى المد الاسلامي. فمن الواضح ان حزب العدالة والتنمية الذي كان الفائز الاكبر في الانتخابات التشريعية، يجد نفسه مضطرا الى مراجعة طموحاته. ويتجلى ذلك واضحا، في انحسار عدد اللوائح التي قدمها. وهو امر يطرح التساؤل حول المستفيد من اصواته. هل ستمتنع عن التصويت، مما سيؤثر على نسبة المشاركة، وهل ستتحول الى قوة معينة ام الى اشخاص معينين؟ هذه بعض الاسئلة التي لن تلقى اجابات قبل انتهاء هذا الاقتراع.

في ظل هذه الرهانات الكبرى، التي يواجهها المغرب، تتنافس مختلف القوى السياسية من خلال اهداف متباينة تعكس موقعها وطموحاتها، لكنها، وخاصة القوى السياسية التي تشكل النواة الصلبة للأغلبية الحالية، تتطلع الى تكريس، او تحسين مركزها حتى تكون في وضعية افضل في افق الاستحقاقات المقبلة، ومن بينها اساسا تقييم الوضع السياسي في المغرب، في ضوء افرازات انتخابات 24 سبتمبر، التي اعتبر البعض ان مخلفاتها التدبيرية لم تكن تلائم نتائجها. وبالتالي لا مناص من تعديل قد يأخذ بالاعتبار موازين القوى الحزبية التي سيخلفها اقتراع 12 سبتمبر المقبل.

* كاتب مغربي