أغنية لكل العصور

TT

تبدو جملة (ما فوقنا غير السماء) على مدخل مطار ليفربول، عبارة بلهاء عند من لا يعرفون تاريخها وموقعها في الضمير العالمي، اما اصحاب المعرفة الجيدة بتراث فرقة البيتلز التي انطلقت من تلك المدينة فيدركون على الفور ان الجملة الرومانسية الطموحة التي لا تعترف بسلطة الارضيين مهما كان جبروتهم مقتطعة من اشهر اغنية عالمية لجون لينون فأغنية (ايماجن) التي حصلت على مئات الجوائز وكانت الاولى على مدار حقب وعند جميع الاجيال تعود الان للواجهة لسبب اخر غير السبب الذي اعادها الى بؤرة الاهتمام بعد احداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 .

من كتب كلمات تلك الاغنية التي تتحدث عن الاخوة البشرية ونبذ الحروب والاحقاد وتمهيد مستقبل العالم للعيش بسلام ووئام ؟

هذا هو السؤال الذي يظهر ويختفي ويعود الان وجوابه معه ففي البرنامج التلفزيوني ـ ارينا ـ الذي ستبثه القناة الثانية في التلفزيون البريطاني في العشرين من سبتمبر (ايلول) الحالي هناك من يقول ان حبيبة جون لينون اليابانية ـ اوكو اونو ـ هي التي كتبت كلمات اشهر اغنية في التاريخ الحديث.

صحيفة ـ صنداي يايمز ـ استبقت الحدث مطلع الشهر بتحقيق اعتمد على البرنامج الوثائقي الذي لم يبث ومصادر اخرى لتقول ان لينون نفسه اعترف في مقابلة تلفزيونية قبل اغتياله بيومين بان اونو هي صاحبة الكلمات وانه قام بتعديلات بسيطة على النص الذي اخذه من ديوانها (جريب فروت) الصادر عام 1965 .

ويقول اصدقاء الارملة الطروب التي تبلغ سبعينها هذا العام ان أغنية ـ تخيل ـ مبنية على معاناة اونو وشقيقها في اليابان اثناء الحرب العالمية الثانية، فهناك وعند طفلين جائعين كان الخيال وحده يحول كسرة الخبز الى وليمة وما تزال ارملة لينون تؤكد الى اليوم ان خيالها هو الذي يساعدها دوما على النجاة فحين تشتد حولها الظروف القاهرة تستنجد بالخيال لينقلها الى عوالم اخرى بعيدا عن المشاكل والارق والقلق ونميمة الناس المؤذية.

وفي الاغنية التي تشجع على فتح الافاق الانسانية على مداها امام الحب والسلام والاخوة الخالية من المصالح والجشع نجد تحريضا على المبالغة في استخدام الخيال فلابأس ان يقول عنك المشككون انك مجرد حالم لانهم ذات يوم سيتبعونك الى عالم بلا حدود وبلا دول وايديولوجيات وودون ملكيات وكراهيات تدفعك الى ان تقتل احدا في سبيل مصلحة او تموت في سبيل عقيدة، والغريب ان هذه الاغنية التي اعتبرت ضد الكنيسة وانها خلقت انجيلا جديدا ومختلفا للعلمانيين ما لبثت ان تحولت الى ما يشبه الاناشيد الكنسية التي تغرف من نبع المحبة والسلام.

وليس المهم من كتب هذه الكلمات، الأهم انها عاشت ولمست ارق وارهف الاوتار في النفس البشرية فاحلم وتخيل وتصور واسرح في احلام اليقظة وبالغ في استخدام المخيلة فهي بلغة محيي الدين عربي أجمل مخلوقات الله وكيف لا تكون؟ ووحدها بقواها السحرية الباهرة قادرة على ان تنقلنا بعيدا عن البشاعات التي تحيط بنا ولولاها لما كان هناك مهرب ولا ملاذ من دوائر الشر والبلادة والكراهية فالخيال حصان الحلم والمخيلة بوابة الأمل الجميل بعالم جديد اشهى وابهى وانقى واحلى.