الأرض أم الفضاء؟

TT

قبل أيام كشف الخبراء عن دلائل جديدة عن وجود المياه على سطح القمر «يوربا»، الذي يدور حول كوكب المشتري احد عمالقة كواكب منظومتنا الشمسية.

وقبل ذلك بأسابيع كشف النقاب ايضا عن مشاريع أميركية وأوروبية لإرسال مجموعة من المركبات والمجسات الى المريخ للتحري عن المياه وآثار الحياة هناك.

يحدث كل هذا بينما بيئة الأرض تتردى شيئا فشيئا. فالتسخين الحراري على أشده. وأكبر دليل على ذلك موجة الحر الأخيرة التي ضربت أوروبا واجزاء كثيرة من العالم البارد.

وقبل يومين كذلك تحدثت الأنباء عن ذوبان أنهار الجليد والثلج في منطقة البترول الفاصلة بين النمسا وايطاليا، وهو أمر لم يحدث قبلا، لنقل في الخمسين ألف سنة الاخيرة من عمر الأرض.

ثم لا ننسى تحذيرات الخبراء الأخيرة من ان 40 في المائة من فصائل الحيوان والنبات في طريقها الى الاختفاء في العقود القليلة المقبلة. وهذه كوارث قليلة من آلاف الكوارث الأخرى التي تحصل الآن على كوكبنا هذا من دون ان نفكر في علاجها بشكل أو بآخر.

نعم يحدث كل هذا والعلماء يفكرون في غزو العالم الآخر واكتشاف أسراره بدلا من التفكير في انقاذ الأرض.

قبل خمس سنوات كتب نورمان مايرز، أحد أبرز العلماء المهتمين بالبيئة والحفاظ على التنوع الأحيائي كتاباً دعاه «المركب الغارق» يعتبر الى اليوم من أشهر الكتب التي تتحدث عن تردي الأوضاع في الأرض والهوة الشاسعة التي نتجه اليها بسرعة.

وبعد صدور هذا الكتاب بأسابيع كتب مقالا في مجلة «بيبول اند بلانت» التابعة لصندوق البيئة العالمي أبدى فيه استغرابه من قيام البشر في البحث عن الحياة في المجموعة الشمسية الذي ينحصر في اشكالها البدائية جدا، في حين يزخر كوكبنا بحياة متطورة من الأنواع والألوان كافة.

هذا التنوع سلب خيال مايرز، إذ انه من التعدد بحيث ان العلماء أنفسهم لا يدركون عدده. فهل يبلغ الرقم الملايين مثلا؟

الجواب نعم بكل بساطة.

أقل التقديرات هي في حدود المليونين، وأكثرها منطقية هي بين 8 و 15 مليونا، وأكثرها غلواً وتطرفاً هي بحدود المائة مليون.

المهم في الأمر، وهنا الفضيحة الكبرى، كما يقول مايرز: «ان العلم في مطلع القرن الجديد والألفية الثالثة، وبعدما بلغنا القمر واستنسخنا الحيوان والنبات، لا يدري عدد فصائل الحيوان والنبات على الأرض، ولا يدري عظمة الخالق في خلقه، لكنه مهتم ببضعة ميكروبات بدائية قد توجد على سطح المريخ مثلا».

ثم انه في الوقت الذي نعلم فيه تماما المسافة الفاصلة بين الأرض والقمر، والأرض والمريخ، بدقة قد لا تتعدى الامتار القليلة، نكتشف ان علم التنوع، أو التعدد الاحيائي، ما زال في القرون الحجرية. فالعلماء حتى الآن لم يتمكنوا من تمييز سوى 1.7 مليون فصيلة (حتى تاريخ نشر كتاب مايرز)، وان الأمر يحتاج عقودا كاملة قبل التعرف على جميع الفصائل وتحديدها، ان استطاع الإنسان ذلك.

هذا التنوع يؤمن للبشرية ثروة طائلة على الاصعدة كافة لا يمكن العبث والتفريط فيها، فضلا عن الخدمات البيئية الكثيرة التي تقدمها مجانا لنا والتي تراوح بين الحفاظ على التربة وتأمين المياه، والتغلب على الآفات الزراعية والتلوث وتعديل المناخ والطقس، الى آخر ما في اللائحة الطويلة من الخدمات الجلى.

إن العديد من الأدوية والعقاقير التي تستخلص من النباتات والاعشاب البرية، لا سيما في الغابات المطرية، تنقذ الملايين من البشر سنويا. من هنا فإن شركات صنع الأدوية في العالم تتسابق للحصول على امتيازات بحث في بلاد أميركا الجنوبية وتدفع لقاء ذلك مبالغ طائلة. ومع ذلك يمضي سكان تلك البلاد في تدمير هذه الثروة الطبيعية والإخلال بميزان الطبيعة، غير عابئين بالعواقب.

مايرز أصدر كتابه قبل سنوات، ومنذ ذلك الحين تردت الأوضاع أكثر فأكثر، بينما ازداد اهتمام العلماء ببضعة ميكروبات على سطح المريخ.