التعامل مع الحجاب

TT

اصبح التاريخ العربي المعاصر ينقسم الى مرحلتين، مرحلة ما قبل الحجاب ومرحلة ما بعد الحجاب. وقدر لنا نحن الذين ولدنا ونشأنا في مرحلة ما قبل الحجاب ان نعاني من مشاكل كثيرة في التعامل مع نساء مرحلة ما بعد الحجاب. وهي محنة واجهها احد اصدقائي بعد زيارته في السنة الماضية للعراق. عاد والبؤس مخيم على وجهه مما رآه فقال: «يا أبو نايل، تصور حتى في اكاديمية الفنون الجميلة رأيت تلميذات يلبسن الحجاب».

هذا موضوع سبب لي كثيرا من المآزق. فأنا نشأت في بيت لم يكن فيه مكان للحجاب. والدتي رحمها الله كانت تلبس العباءة فقط عندما تخرج ولا تستعمل الحجاب. وهذا ترك ثغرة في ثقافتي ومعرفتي في التعامل مع سيدات مرحلة ما بعد الحجاب. كنت في ندوة فكرية في لندن، وقدر لي ان اتحمل مسؤولية توصيل زميلة مشاركة محجبة الى بيتها بسيارتي، القيت عليها في الطريق هذا السؤال وقد اوشكنا على الوصول الى عنوانها قلت لها: «دكتورة، انت تعرفين انهم هنا في بريطانيا، اذا أوصل رجل امرأة الى بيتها وودعها دون ان يقبلها فإنه يكون قد اقترف عيبا شنيعا لن تغفره له تلك المرأة وستعتبره قلة ذوق وعدم تقدير لحسنها وقيافتها، ولكن الامر في عالمنا العربي يختلف طبعا عن ذلك، اذا فعل الرجل مثل هذا فإنه يتلقى صفعة عاتية منها. وما هي الا ثوان حتى يدوي الرصاص من كل نوافذ البيت وتسيل الدماء جزافا، فلا يسلم الشرف الرفيع من الأذى حتى يراق على جوانبه الدم. قلت لها دكتورة انت تعيشين في أوروبا، ففي اي صنف انت وكيف التعامل معك؟ ما قلت ذلك حتى تلقيت ما كنت اتكلم عنه، صفعة عاتية على خدي الايمن، لم ادر لها خدي الأيسر ايضا عملا بقول المسيح عليه السلام. بل مسحت وجهي وانصرفت وانا اقول لنفسي. يا خالد ما تعلمت اي شيء في حياتك. الظلم والصد هو كل ما تلقاه من المرأة العربية».

تلقيت درسا آخر في زيارتي الأخيرة للكويت. تلقتني سيدة فاضلة من وزارة الاعلام. وكانت محجبة ايضا. مددت يدي لمصافحتها فصافحتني بشيء من التردد، جعلني انتهز أول فرصة غير رسمية للاستفسار منها. قلت لها انتن ايتها المحجبات هل يجوز لكن مصافحة رجل؟ ضحكت وقالت نعم، اذا كان ضمن الواجب. الاساس هو الا يجوز للمرأة ملامسة رجل والمصافحة ملامسة. ولكننا كمرشدات نستقبل اجانب من الغرب اعتادوا على مصافحة المرأة. نضطر من باب المجاملة ان نمد يدنا لمصافحتهم. وكله حسب ما يقول الفقهاء. الضرورات تبيح المحظورات. لم احرجها بالقول ان هؤلاء الاجانب من الغرب اعتادوا ايضا على تقبيل المرأة من باب الادب.

هذه ملابسات تضع ابناء مرحلة ما قبل الحجاب في متاهة من امرهم في التعامل مع سيدات مرحلة ما بعد الحجاب، هل يجوز مثلا الاطراء على جمالها أو رشاقتها؟ هل يجوز الثناء على لون شعرها اذا ظهر منه شيء خارج الحجاب، ام انها ستعتبر ذلك تنبيها وزجرا لها على السماح بذلك؟ كيف يعبر الرجل عن اعجابه بأي شيء تقوم به دون ان يساء تفسيره فتتصور الفتاة المعنية بأنه مقدمة لخطبتها والزواج بها؟

تتميز مرحلة ما بعد الحجاب بالافلاس العام للدولة وشيوع الفقر والبطالة والتدهور الاجتماعي والاقتصادي عموما. كيف نتعامل نحن الذين نشأنا في مرحلة خير مع سيدات المرحلة الحاضرة؟ اذا قدمنا لها عطرا ثمينا. هل ستسيء تفسيره؟

هذه كلها تفاصيل تتطلب الشرح والبيان هداية لامثالي من ابناء مرحلة ما قبل الحجاب. هناك حاجة لكتيبات مثل: «الحقوق والواجبات في التعامل مع المحجبات» و«دليل الحائر في معاملة الحرائر».