في انتظار تنفيذ شارون سيناريو الاحتلال الجديد

TT

يخطئ العرب والفلسطينيون كثيرا ان هم استخفوا بتهديدات الحكومة الاسرائيلية لياسر عرفات، متكلين على قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة الأخير. فكما ادارت اسرائيل ظهرها لكل قرارات الأمم المتحدة منذ عام 1948، لا شيء، ولا قوة، تلزمها اليوم باحترام الشرعية الدولية والشرعية الوطنية الفلسطينية. اما التحفظ الاميركي ـ بأطراف الشفاه ـ على الجدار الاسرائيلي، فإنه لا ولن يثني الحكومة الاسرائيلية عن اخراج عرفات أو «اعتقاله»، أو قتله، بعد اول عملية ارهابية انتحارية كبيرة تقدم عليها حماس أو الجهاد في الاراضي الاسرائيلية، بل ليس مستبعدا ان تدفع اسرائيل المقاومة الفلسطينية دفعا، كعادتها، للرد على اغتيال احد قادتها، بالعملية التي تنتظرها للاقدام على تصفية عرفات من الوجود السياسي او الحياتي.

والسؤال الحقيقي الذي يجب طرحه هو: ماذا لو اقدمت اسرائيل على تجريد ياسر عرفات من سلطته أو من حياته؟ ان هذا السؤال مطروح جديا في تل ابيب وواشنطن. والسيناريوهات المجيبة عليه مرسومة ومدروسة. وغني عن القول انه ليس لدى العواصم العربية منفردة او مجتمعة اي سيناريو مدروس للرد على هذا السؤال او لمجابهة الرد الاسرائيلي والاميركي عليه.

القول بأن هذه الخطوة «تعتبر خطأ كبيرا» ترتكبه اسرائيل، او انها خطوة من شأنها «اشعال المنطقة» و«مضاعفة الارهاب»، و«قتل عملية السلام نهائيا»، اقوال صحيحة، ولكنها اقوال تضيع في الهواء ان لم يتبعها استعداد او خطة مدروسة فلسطينية وعربية، توقف اسرائيل لا عن تصفية عرفات والمقاومة الفلسطينية، فحسب، بل تجديد نكبتي 1948 و1967، واحتلال كافة الضفة وغزة وتهجير بضع مئات الألوف من الفلسطينيين الى شرقي الاردن.

من وما الذي يردع اسرائيل عن تنفيذ هذا السيناريو الرهيب؟ لا الأمم المتحدة التي هزأت اسرائيل بكل مقرراتها منذ ثمانية وخمسين عاماً، ولا الرئيس بوش الذي باشر معركته الانتخابية الرئاسية التي تلعب الاصوات والأموال اليهودية دورا حاسما فيها. ولا دول الاتحاد الاوروبي التي لا تملك، رغم مواقفها ومساعداتها للشعب الفلسطيني وللسلطة، القدرة على الضغط على اسرائيل أو واشنطن.

من البديهي ان الشعب الفلسطيني لن يسكت على اخراج أو تصفية زعيمه التاريخي، وانه سيضاعف انتفاضته ومقاومته وعملياته ضد اهداف اسرائيلية، ولكن هذه الانتفاضة وهذه المقاومة لن تكسر خطة شارون الا اذا تدخل المجتمع الدولي بقوة ضد اسرائيل واجبرها على التراجع، ولن يتدخل المجتمع الدولي والدول الكبرى الا اذا هبت الدول العربية والاسلامية كلها في وجه اسرائيل، الا اذا تعرضت مصالح الدول الكبرى الى الخطر، الا اذا خرجت الدول العربية والاسلامية عن تأييدها الفاتر للقضية الفلسطينية (خوفا من ان تتهم بدعم الارهاب وهو صنو للمقاومة في قاموس واشنطن وتل ابيب) و«لعبت صولدا» سياسيا وعسكريا على الطاولة التي يلعب عليها مصير الشرق الأوسط.

منذ ان جنح العرب والفلسطينيون الى السلام، اي ابتداء من مؤتمر مدريد واتفاق اوسلو، واسرائيل تصنع في الضفة الغربية واقعا عسكريا واستيطانيا يجعل من السلام امرا مستحيلا. وتبتعد تدريجيا عن الشروط والحقوق الفلسطينية والعربية لأي سلام عادل بينما التنظيمات الفلسطينية تزداد تباعدا عن بعضها البعض، وتضامن الدول العربية والاسلامية يزداد ضعفا وتفسخا. ولا شك في ان احتلال العراق والغاء قوته العسكرية زاد من تفوق اسرائيل الاستراتيجي العسكري على العرب. وان الحرب الاميركية على الارهاب اعطت اسرائيل فرصة ذهبية لضرب المقاومة الفلسطينية في الارض الفلسطينية، وفي الدول العربية والاسلامية التي تساندها. وقد علمتنا تجارب قرن من الصراع ضد الصهيونية واسرائيل، انهما لا يتركان فرصة دولية او اقليمية مواتية دون الاستفادة منها. وان الفلسطينيين والعرب يضيعون كل فرصة سانحة امامهم، بسبب منازعاتهم على الزعامة او مزايداتهم على بعضهم البعض، او مكابرتهم على الواقع والمعطيات الدولية الراهنة. حتى انه بات من الجائز القول بأن قضية فلسطين توحد وتفرق العرب في آن معا. قد تنفذ اسرائيل سيناريو «الحل الأخير»، مستفيدة من هذه «الفرصة الاميركية» المتاحة لها، اليوم. وقد تنتبه الادارة الاميركية الى خطورة انعكاسات هذه المغامرة الاسرائيلية عربيا واسلاميا ودوليا، فتردعها عنها. ولكن هل يجوز لنا، فلسطينيين وعربا ومسلمين، ان ننتظر من تل ابيب وواشنطن، المبادرة، للحؤول دون تجدد نكبة 1948.. ويتجدد البكاء على اطلال الضفة الغربية والدولة الفلسطينية نصف قرن آخر؟